عدد القراءات: 2285

لماذا لا ينصُرُ اللهُ المظلومين ؟

 

تتساقطُ القذائفُ والصَّواريخُ على رؤوس الأبرياء في حلب فيُقتلُ مَنْ يُقتل ويُجرَحُ مَنْ يُجرح، ويصيحُ كثيرٌ من النَّاس : أين الله ؟ !

لماذا لم يمنعِ اللهُ تلك الصَّواريخ من قتل الأبرياء ؟ هل يرى اللهُ ما يفعلهُ الظَّالمون ؟ وبعضُ النَّاس يتساءلون بسبب ذلك الظُلم : هل يوجدُ اللهُ فعلاً ؟

 

يُصوِّرُ اللهُ مشهدَ القذائف المُتساقطة على رؤوس المظلومين وحالَ أولئك المُتسائلين قائلاً : " إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا " الأحزاب 33/ 10_11

إنَّ تلك التساؤلاتِ ناتجةٌ عن تصوُّرٍ خاطئٍ لمعنى وجود الإنسانِ في الحياة، فاللهُ تعالى لم يخلقْ الإنسانَ ليكونَ سعيداً دائماً في الدُّنيا، بل ليبتليه، فإذا نجحَ في امتحان الدُّنيا سيكونُ سعيداً دائماً في الآخرة : "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" المُلك 67/2

إنَّ حُريَّة الإنسان في اختيار أفعاله شرطٌ أساسيٌّ ليكونَ مُحاسَباً أمام الله تعالى، فلا ابتلاء دون حُريَّة، لذلك فإنَّ اللهَ وضعَ قوانينَ وأمرَ النَّاسَ بتطبيقها، فإنْ التزمَ النَّاسُ بتلك القوانين عاشوا في سعادةٍ، أمَّا إن أعرضوا عنها فقد اختاروا نشرَ الفساد في الأرض، وعن هؤلاء يقولُ الله : " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " الرُّوم 30/41

لو تدخَّلَ اللهُ لمعاقبة كلِّ مَن يقومُ بظُلمٍ لَمَا كان للابتلاء من معنى، ولَما تجرَّأَ أحدٌ على أن يظلمَ الآخرين خوفاً من العقاب الفوري الذي سيُنزلُه اللهُ به، وحين يغيبُ الابتلاء تفقدُ الحياةُ معناها : " وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ " النَّحل 16/61

يستطيعُ اللهُ أن يمنعَ كلَّ ظالمٍ عن ظلمه، لكنَّ هذا المنعَ يتعارضُ مع سنَّة الابتلاء التي خُلِق البشرُ من أجلها :

" إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ " الشُّعراء 26/4

 

إنَّ الحياةَ الدُّنيا ليست سوى لحظةً عابرةً لا يُمكنُ أن تُقارَنَ بالحياة الأبديَّة التي وعدَ اللهُ عبادَه الصَّالحين بسعادةٍ أبديَّةٍ فيها، فلا يجبُ أن نتعجَّبَ إذا كان صوتُ الظَّالمين أعلى من صوت المظلومين في الحياة الدُّنيا : "  أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ، مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ " الشُّعراء 26/205_207

فاللهُ تعالى لا يُريدُ لنا لحظاتٍ عابرةٍ من سعادةٍ تقومُ على ظلم الآخرين، بل يُريدُ لنا حياةً أبديَّةً ننعم فيها بالسعادة :

"تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" الأنفال 8/67

فالمُسلمُ الحقيقيُّ لا يُرجِّحُ الدُّنيا على الآخرة، أمَّا الكافرُ فهو يفعلُ ما يُريدُ في الدُّنيا دون التفاتٍ لقوانين الله لأنَّه يُفضِلُ الدُّنيا على الآخرة : "وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ" إبراهيم 14/3

لذلك فإنَّ القرآنَ الكريمَ يُعطي الأولويَّة للحديث عن كيفيَّة كسب رضاء الله قبل الحديث عن الحظوظ الدُّنيويَّة : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" الصَّف 61/10_13

إنَّ اللهَ تعالى ليس غافلاً عمَّا تفعله الصَّواريخُ والقذائفُ في حلب، وليسَ غافلاً عن صرخات الأطفال والنِّساء والمظلومين هناك، لكنَّ سنَّةَ الله اقتضتْ أن يكونَ الإنسانُ حُرَّاً في فعل ما يُريد ليكونَ مُحاسَباً على أفعاله أمام الله يوم القيامة :

" وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ " إبراهيم 14/42

 

إنَّ العملَ على إيقاف الصَّواريخ التي تقتل الأبرياء في حلب وغيرها هو واجبُ الإنسان أينما كان وأيَّاً كان انتماؤه، وتمدُّدُ الظُّلم الذي يأكلُ السُّوريين اليوم سيكون حتميَّاً إذا لم يُسارع عقلاءُ العالم إلى إطفاء النَّار التي أشعلها نظامُ الأسد الوحشي وحلفاؤه الرُّوس والإيرانيُّون، فالنَّارُ التي تأكلُ السوريِّين اليوم ستأكلُ مَن يسكتُ عن معاناتهم غداً.

لا يجبُ أن يُصيبنا اليأسُ من رحمة الله، ولا يجبُ علينا نسيانُ واجباتنا في نصرة المظلومين وفق استطاعتنا وبما يُرضي الله، فالجنَّةُ لها ثمنٌ يجبُ أن يدفعَه مَنْ أرادها : "

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ " البقرة 2/214

 
 
 
 

علِّق