يارا مطر
ويحدث أن تمتد مخالب الأفاقين لاقتلاع الياسمين الذي تفتح على ندبات الدماء والدمار... ويحدث أن تحتد ألسنة الأفاكين لترجم جماجم المسحوقين تحت جحافل التتار... ويحدث أن تعبث طغمة من أحفاد مسيلمة بأوجاع مدن ركنت لغزاتها تحت جمر الحصار والنار...
على ركام الريف الدمشقي قررت ثلة من الثعابين انتظار الياسمين... على حطام أحلام المساكين نسج المشعوذون سيناريوهات تلثم بشغف مقصلة الجلادين، وفي ظلال خيم مبعثرة في حديقة مخملية اغتال النخاسون آدمية المشردين...
هكذا، وبعد أربع سنوات امتطى فيها السفاح آلاف الأرواح في حربه العبثية مع طواحين الهواء... بعد أربع سنوات قضى فيها عشاق الحذاء من سلالة تيمورلنك على شقاء ملايين البسطاء، قررت حفنة مغسولة الحياء من "أعمدة الفن" ارتداء ثياب الأولياء... تنطّع غربان الأسد لاجتراح نصوص تواري سوآت مصاصي الدماء... فبصقوا في وجهنا مجتمعاً مقولباً لعائلات رمت بها رحى الحرب العمياء في العراء... تقيؤوا في أحداقنا مسلسلاً معلباً عن مهجرين افترشوا الأرض وتلحفوا السماء...
لم يجسر المنخرطون في يوميات العمل الجهنمي على غرز أصابعهم في محجري طباخي تلك "الملحمة" في زوايا الغرف المعتمة... لم ينصر المتسربلون بجلود الأفاعي ضحايا موقدي تلك المحرقة المتورمة على مخلفات البراميل والأسلحة المحرمة... وما الحق الذي ستنصره جوقة فاسقة جهرت بدعمها اليد الآثمة؟... وما الصدق الذي ستحضنه فرقة مارقة باركت آلة القتل المجرمة؟... وما الفرق بين ماكينة النظام التي تعربد بنشوة على أجساد المطحونين بجحيم أحقاد السفلة، وبين كاميرا الظلام التي تجرد المعجونين بالجراح من فضح قاتلهم بحبكة مفضوحة مبتذلة؟...
هل يحتاج هؤلاء إلى أرشيف التسجيلات ليبصروا بأحداقهم المشحونة بالإنكار ويلات شرذمة الفجار؟ هل يملك أحدهم شجاعة محاكاة مجتمعات المخيمات التي تتوزع كالفطر في دول الجوار؟ هل يجرؤ فدائي منهم على ترجمة تقلبات المسكونين بهواجس الانكسار والانتظار؟
لا يبدو أن أفئدة هؤلاء الملطخة بأوحال الانحلال ستصحو لتحترق على أطلال وطن مشتت الأوصال... ولا يبدو أن في وارد أحدهم كسر الأغلال الموصدة على قلبه ليرى أن في بلده ورم يتمزق تحت نصال الاستئصال... أن في أرضه قزم تعملق على جمر القهر والإذلال ... أن في صدور المسحوقين حزم يتسلق على عزم الرجال... ولسنا على يقين بأن صراخنا المخنوق سيخترق مسامع المهرولين في سرداب الضلال بعد أن طعنوا آدميتهم المترنحة بصك اعتزال...
لكننا، ومن قاع بركان أوجاعنا المستعرة... من رماد أحقاد القذائف المنهمرة... من نزيف أصفاد الآدمية المصلوبة على أوتاد الضمائر المتحجرة... سنحمل رسالتنا المعجونة بأشلاء الأبرياء ونودعها بيداء الأفئدة المقفرة: "لن يولد الياسمين من خاصرة فاجرة... لم نزرع القرابين لنجني مولودا نكرة... لن نحضن تشوهات جنين بصقته أصلاب قذرة... أبعدوا وليدكم عن أرضنا الطاهرة... احملوا لقيطكم وارموه في اليم... احقنوه بالسم... ادفنوه في المقبرة... سنغسل بالدم دناسة الفجرة... سنجبل بالحزم أحلامنا المحتضرة... سنغزل بالنجم ليالينا المبعثرة... سنغزل بالنجم ليالينا المبعثرة"...
علِّق