No votes yet
عدد القراءات: 1620

التضليل كمصدر قوة لبوتين - ترجمة السوري الجديد

الكاتب الأصلي: 
Arkady Ostrovsky
تاريخ النشر: 
12 آب (اغسطس), 2016
اللغة الأصلية: 

 

قبل خمسة عشر عاماً، أي قبل أشهر قليلة من توليه رئاسة البلاد، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شاشة الـ CNN" "  متحدثاً إلى "لاري كونغ" وقال أن عمله السابق كضابط  في الاستخبارات السوفييتية كان يشبه عمل الصحفي،" فكلا الطرفين لهما هدف واحد يتركز على جمع المعلومات وتركيبها ثم تقديمها لأصحاب القرار. ومنذ ذلك الحين، بَرَعَ بوتين  في تسخير الإعلام لتعزيز السلطة داخل روسيا وعلى نحو متزايد، بغية شن حرب إعلامية ضد الغرب.
ولذلك، ينبغي على الأمريكيين أن لا يندهشوا من عمليات القرصنة الجلية والتي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الروسية بحق إيميلات اللجنة الوطنية الديمقراطية والتي قام بنشرها موقع "ويكيليكس". فهذه القرصنة ليست سوى أحدث مثال عن كيفية استخدام بوتين للمعلومات كسلاح. كما صَقَل الكرملين علاقاته مع "ويكيليكس" لسنوات.


هذا وقد لجئ الكرملين إلى التضليل الإعلامي بضمه شبه جزيرة القرم لروسيا، وحربه في أوكرانيا، ناهيك عن قيامه بهجمات الكترونية ضد فنلندا ودول البلطيق، فضلاً عن إشاعته للأخبار المخادعة في ألمانيا لإحراج "ميركل". وخلال الحرب الباردة، تَدَخَلَ الكرملين في السياسة الأمريكية ولعقود. وهذه التدابير النشطة كالتخريب والتلاعب بوسائل الإعلام والتزوير وتمويل بعض منظمات "السلام"، إنما تَكمُنُ في صميم اختصاص المخابرات السوفييتية.
وكما هو الحال الآن، فقد استغلت روسيا مظالم حقيقية في الغرب كالاستياء من حرب فيتنام والتوترات العرقية عام 1960، والقلق من هجرة المسلمين اليوم.  ومع ذلك، فإن دعم السيد "بوتين" لأمثال "دونالد ترامب" في أمريكا و دُعاة الانفصال في بريطانيا، أو " مارين لو بان" اليمينية الفرنسية، لا يعني بالضرورة أن هؤلاء صنيعته.


ويبقى السؤال الذي يربك الرأي العام الأمريكي هو: لماذا تعمل روسيا الشيوعية على تقويض دور الغرب اليوم؟!. ثم الَم يربح الأمريكيون الحرب الباردة؟!
في الحقيقة، إن هذا السؤال والذي طُرِحَ قبل 15 عاماً عاد ليبرز اليوم. و في الوقت الذي اعتبر فيه معظم الأمريكيين انتهاء الحرب الباردة هي انتصار على الاتحاد السوفييتي، يرى معظم الروس ذلك انه انتصار لمنطقهم السليم على نظام هَرِم  أحمق مفلسُ مالياً وفكريا وفقد الشهية للقمع. وبعد أن افتتح "ميخائيل غورباتشوف" الإعلام السوفييتي، أصبح الاتفاق بين الأنظمة الاشتراكية والرأسمالية واضحاً وضوح الشمس. وفي عام 1991، وعندما حاولت الاستخبارات السوفييتية الانقلاب على السيد "غورباتشوف"، لم ينزل أي إنسان إلى الشارع للدفاع عن الشيوعية بينما احتَجَ الآلاف في موسكو على الانقلاب مجازفين بحياتهم دفاعاً عن الحرية.
بعد ذلك ارتكب الأمريكيون هذا الخطأ:  الاحتفال بالنصر، بدل تهنئة الشعب الروسي على انتصاره على الحكم الاستبدادي واستغلال الفرصة لمنح روسيا مساعدات اقتصادية كافية للتخفيف من آلام انهيار الاقتصاد.

اتسمت هذه الخطوة  بالخطورة وقِصَرِ النظر، وخلقت شعوراً زائفاً بأن أمريكا لا تقهر، و مهدت الطريق أمام موجات الغضب في الشارع الروسي. في النهاية، سمحت للمُحرِفين أمثال "بوتين" بتصوير انهيار الاتحاد السوفييتي أنه جاء نتيجة مؤامرة أمريكية.
وعلى مدار القرن الماضي، أصبحت سردية الهزيمة والإذلال هذه مصدر قوة لإيديولوجية "بوتين" الخاصة بالظهور مجدداً, وإذا كان الأمريكيين قد ربحوا الحرب الباردة، فهم مسئولون حتماً عن تفكك الاتحاد السوفييتي وإفقار الملايين من الشعب الروسي.  وإذا كانت روسيا قد هُزمت، فلن نتوقع منها إلا السعي للانتقام لهزيمتها يوما ما.
وكانت شعبية هذه السردية قد اتسعت في أوساط الشعب الروسي، حيث إن العداء لأمريكا يمنح الروس مُتَنَفَساً من إحباطهم وشعورهم بالعجز عن مواجهة نظامهم القمعي الفاسد، كما يمنح السيد "بوتين" غطاءً أيديولوجياً  لنظام حكمه السارق والذي يديره رؤساء الأجهزة الأمنية من سابقين وحاليين. وبغية تعزيز هذه السردية، بَرع إعلام الدولة الذي يسيطر عليه الكرملين، في إعادة تركيب الصورة القديمة لروسيا بأنها حصن مُحاصر.


واليوم، يقدم "بوتين" سياسة بلاده على أنها متجاوبة وليست عدوانية. في كل مرة تهاجم روسيا فيها جمهورية سابقة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي، يتم تصوير هذه المواجهة على أنها حرب بالوكالة تبدأها الولايات المتحدة ضد روسيا. وعندما هاجمت روسيا جورجيا عام 2008، كانت الولايات المتحدة ففي خِضَمِ الانتخابات الرئيسية، حيث كان الحزب الحاكم على وشك أن يخسرها، ولهذا لم تفرض الولايات المتحدة العام التالي عقوبات صارمة على روسيا  وإنما أعاد الرئيس الديمقراطي "بارك أوباما" و "هيلاري كلينتون" وزيرة خارجيته ضبط العلاقة مع موسكو.
واثبت ذلك أيضاً أنه زلة من جانب الأمريكيين، حيث كانت الفكرة أن باستطاعة كِلا الرئيسين الجديدين " أوباما" و "مدفيديف" الذي خَلفَ بوتين في رئاسة الكرملين مؤخراً، رمي الماضي وراء ظهريهما، بيد أن السيد "مدفيديف" والذي اشرف على الحرب في جورجيا، لم يكن سِوى نائب عَيَنَهُ "بوتين" بهدف التحايل على تمديد الفترة الرئاسية. وكان يَعي ذلكَ صُناعُ القرار السياسي في واشنطن وبرلين لكنهم قرروا دعم  وتَبَني "مدفيديف" آملين شق صف النخب الروسية. وبدل ذلك، تنصلت روسيا من حرب جورجيا من دون تكلفة مما ساهم وبشكل مطلق بتعزيز ثقة روسيا أن غاراتها اللاحقة في أوكرانيا سيُكتَبُ لها النجاح.
وكانت فترة حكم الرئيس "مدفيديف" قد انتهت بمظاهرات ضخمة عمت موسكو ومدنُ روسية أُخرى شتاء العام 2011-2012، حيث تظاهر عشرات الآلاف مطالبين بعودة السيد "بوتين" لرئاسة البلاد وتجديد الدولة. آنذاك، اتهم "بوتين" "هيلاري كلينتون" باتخاذ إجراءات لتشجيع المحتجين على المُضي باحتجاجاتهم، وقال بوتين أن " كلينتون" ضبطت النغمة لبعض الممثلين في بلاده وأعطتهم إشارة، وبدورهم التقط هؤلاء الإشارة وباشروا عملهم الفاعل بدعم من وزارة الخارجية الأمريكية.


ويبدو "بوتين" والمعروف بأحقاده أنه يعطل حملة "كلينتون" للانتخابات الرئاسية باتخاذه إجراءاتٍ فعالة، وإن عمليات كشف إيميلات اللجنة الوطنية الديمقراطية لا تصب إلا في مصلحة "ترامب" ويمكن أن نقول أن هذه بمثابة منحة روسية إضافية لـ "ترامب". إن السر الحقيقي وراء التجاء "ترامب" إلى الكرملين هو ليس إعجابه بشخصية "بوتين"، وإنما دليل على أنه غير مهتم تماماً بمجالات تأثير روسيا. ولطالما كان السيد "بوتين" يحلم باتفاقية جديدة على غرار اتفاقية "يالطا" ليتسنى لروسيا والولايات المتحدة تقسيم أوروبا مجدداً.
إن قدرة روسيا على التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية هي محدودة وبكل تأكيد، إذ أن السيد "بوتين" لا يسيطر على الإعلام الأمريكي ، كما أن بلاده تفتقر للموارد المالية والعسكرية التي كان يمتلكها الاتحاد السوفييتي، بيد أن جهود موسكو لا تزال تشير إلى مخاطر فروسيا الغاضبة والمتراجعة هي أخطر بكثير من  قوة اقتصادية صاعدة على المشهد الدولي كالصين. هذا ولن تُغير العقوبات من سلوك "بوتين" الذي يضع أولوية أمن نظام حكمه فوق كل شيء حتى لو كان الناتج الاقتصادي للبلاد.
في الحقيقة، إن لدى السيد "بوتين" سبباً يدعوه للقلق ألا وهو أن نظامه يواجه تهديداً وجودياً من جانب شكل الحكم الغربي. و تماماً مثلما تعرضت أوجه القصور الاقتصادي للشيوعية السوفييتية للمقارنة مع الثروة التي أنتجتها الرأسمالية الغربية، فإن تسلط السيد "بوتين" لا يمكن أن يتطابق مع الدعوة إلى اقتصاد يقوم على حكم القانون، والانفتاح والمنافسة. إن الطريقة المثلى للغرب لمقاومة روسيا، اليوم ولاحقاً، هي أن يدعم قِيمَهُ الخاصة.


"ولا تزال روسيا المعارضة للغرب عموماً، الحلقة الأضعف في الصراع، وقد تعاني من أوجه قصورٍ من شأنها إضعاف مواطن قوتها الكلية في نهاية المطاف". هذا ما كتبه الدبلوماسي "جورج كينان" عام 1947. نعلم الآن أن "كينان" كان على حق في ما كتبه، بيد أن الخبر السيئ  هو أن نبوءته استغرقت 44 عاماً حتى تحققت.

علِّق

المنشورات: 97
القراءات: 626941

مقالات المترجم