هل تصبح "داريا" النسخة السورية من "سربينيتشا"؟! - ترجمة السوري الجديد

الكاتب الأصلي: 
Roy Gutman
تاريخ النشر: 
29 آب (اغسطس), 2016
اللغة الأصلية: 
0


قد يؤدي إجلاء نظام الأسد حوالي 6 آلاف مدني من مدينة "داريا" إلى كارثة كبيرة.


بعد التفاوض على صفقة استسلام أنهت واحدةَ من أطول حلقات الحصار من مسلسل الحرب في سوريا، واُعتُبِرت أحدث انتصار لحملة النظام العسكرية التي ترفع شعار"الاستسلام أو الموت جوعاً"، خرج  يوم الجمعة مئات من المدنيين والمقاتلين على متن حافلات من مدينة "داريا" في ريف دمشق.وعَبَرَ مراقبون دوليون عن مخاوفهم من وقوع مجزرة مشابهة لتلك التي شهدتها "سربينيتشا" صيف العام 1995 حيث دخل الصِرب إلى المقاطعة الشرقية من "البوسنة" بعد ثلاث سنوات من الحصار ومن ثم قاموا بذبح 8 آلاف من الأسرى المسلمين.
ولم تحظَ عملية الخروج تلك بالإشراف أو الدعم الدولييَن، وقام مُسلحون من الشبيحة (وهم ميليشيات سيئة التدريب تتبع للنظام)  بالصعود إلى كل حافلة أثناء مغادرتها المدينة المُدَمَرة. وأظهرت لقطات حَيَة بثتها قناة  تلفزيونية لبنانية، الحافلات وهي تتقدم وسط حشود الشبيحة المبتهجين، لكن من دون إجراء لقاءات معهم.
وقال أقاربهم، أن سكان المدينة شعروا بالخوف الشديد وأن العالم قد تخلى عنهم،  لاسيما وهم يمضون نحو مصيرٍ مجهول. وأن اليأس أصابهم بسبب تركهم لمنازلهم عنوة.
ويُذكَرُ أـن "داريا" والتي كان يقطنها ذات يوم 200 ألف نسمة، ترزح تحت الحصار منذ تشرين الثاني من العام  2012، ولم تدخل إليها سوى شحنة واحدة من المواد الغذائية والطبية في حزيران الماضي. وكان  الهجوم العنيف  الذي شنه جيش النظام هذا الصيف على المدينة قد أدى إلى محاصرة مزارعها وتدمير المشفى الميداني الوحيد فيها قبل أسبوع،  مما أدى لنفاذ الطعام والشراب والذخيرة وانعدام الرعاية الطبية.
وقال سكان المدينة المحاصرون أنه لم يكن أمامهم سوى الاستسلام.


وفي رسالة له على "فيسبوك"، قال "الناشط والعضو السابق في المجلس المحلي لمدينة داريا :"لقد بلغنا مستوىَ مُزرٍ من المعيشة في المدينة". وتابع "عياش"" حاصر النظام مزارعنا وخرجت مستشفياتنا عن الخدمة تماماً".
وقالت وكالة الأنباء الرسمية السورية أن حوالي 400 من المقاتلين غادروا مع عوائلهم إلى محافظة إدلب وأن 600 مدني توجهوا إلى "قدسيا" و "حرجلة" وهما ضاحيتان تحت سيطرة النظام في الغوطة الغربية، حيث سينضم هؤلاء إلى الآلاف من المُجَرين داخلياً.
ولم يكن هناك اتفاقُ مُدَوَن لتوضيح تفاصيل الخروج من المدينة، بل تضارب كبير بين روايتي النظام والمعارضة حول أعداد المدنيين، حيث يتحدث مسؤولون في المدينة عن وجود أكثر من 8 آلاف مدني، بينما يقول النظام أن العدد هو 4 آلاف فقط.
وقالت "إيليس بيكر" منسقة الأبحاث في مجموعة "أطباء لحقوق الإنسان" التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، : "لقد وجدنا أن هذه الاتفاقية مقلقة"، وعَبَرَت "بيكر" عن مخاوفها من أنه سيتم احتجاز أهالي داريا على نحوٍ تعسفي مثلما كان يحدث دائماً مع  أهالي المدن السورية الأُخرى بعد توقيعها اتفاقات المصالحة مع النظام. وقالت ينبغي أن يكون لسكان المدينة والذين هم ضحايا لجرائم حربٍ لا تُحصى"، خيار البقاء في بيوتهم.


أما "فاليري سزيبالا" المديرة التنفيذية "لمعهد سوريا"، وهو مجموعة أبحاث غير ربحية، فقد عَبَرتَ عن خشيتها من اعتقال الذين تم إجلاءهم عن المدينة، وفرض التجنيد الإجباري بحقهم ناهيك عن نقلهم إلى المناطق الأُخرى المحاصرة والأهم من ذلك هو إنكار حقهم بالعودة إلى منازلهم. وفي حديثها لـ "Daily Beast" قالت "سزيبالا": " إنكم لتدركون مدى سوء وفداحة الوضع عندما تأملون أن يقتصر هذا على التطهير العرقي فحسب، وأنه سيتم نقل السكان إلى مكان آخر وضمان سلامتهم بدل تعرضهم للقتل والاعتقال و الإهانة"، كما شاهدنا في حالاتٍ سابقة من الاستسلام القسري".
ويبدو قرار مغادرة المدينة والذي تم التوصل إليه يوم الخميس بعد حوالي شهر من المفاوضات، أنه قد أحرجَ  كل من "الأمم المتحدة" التي يوليها المجتمع الدولي مسئولية الحفاظ على المدن المحاصرة كـ"داريا"،  والمنظمة الدولية للصليب الأحمر والتي تلعب دوراً قيادياً في أي عملياتٍ منظمة لنقل المدنيين أثناء الحروب.
وكان المبعوث الأُممي الخاص " ستافان دي ميستورا" والذي وصف الوضع في "داريا" أنه "خطير للغاية"، قد قال أنه لم يتم التشاور مع الأمم المتحدة ولا حتى إشراكها في المفاوضات، وأنه لم يعلم بخصوص الاتفاقية إلا مساء الخميس.
وناشد "دي مستورا" كل من الولايات المتحدة وروسيا أن تعملا لضمان تنفيذ الاتفاقية وما بَعدها بما يتفق ومعايير القانون الدولي.


بدوره، كان وزير الخارجية الأمريكي "جون كبيري: يلتقي نظيره الروسي "سيرغى لافروف" يوم الجمعة في جنيف لبحث المسألة السورية، بيد أنه لم تبدر أي إشارة على نية الرَجُلَين وَضعَ يَديهِما على حالةٍ خارج سيطرتهما.
احتاج "دي مستورا" 19 ساعة لإصدار بيانه  الذي جاء بعد سؤال طَرَحتهُ الـ"Daily Beast" مساء الخميس. وفي الوقت الذي عَبَرَ فيه المبعوث عن تفاجئه بما حدث في داريا، إلا أن سكان المدينة قالوا أن الأمم المتحدة كانت على اضطلاع شبه يومي على مفاوضات بخصوصها.
وقال "عياش" المسئول السابق في المجلس المحلي لمدية داريا: " لقد كنا نتواصل مع مكتب السيد "دي مستورا" في دمشق وهو على دراية شبه تامة بهذا الاتفاق"، وأضاف " طلبنا منهم أن يكونوا مراقِبي الاتفاق ، ولكن بصراحة لم نتلقى أي رد منهم بهذا الخصوص".
ووجهت "سزيبالا" انتقادات لاذعة للهيئة العابرة للحدود في إشارةٍ إلى الأمم المتحدة. تقول "سزيبالا" : لم تتخذ الأمم المتحدة أي خطوة لحماية المدنيين من هذا السقوط ، وتلخصت كامل جهودها بقافلة المساعدات الوحيدة والغير كافية والتي تم إدخالها في حزيران الماضي، وهذه صورة مُصَغَرة عن الإهمال".
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها كانت على دراية بالمفاوضات من دون أن تشترك فيها، كما أنها لم تلعب أي دورٍ في عملية نقل المدنيين خارج المدينة.
" إذا ما أردنا أن نكون قادرين على أداء مهماتنا، فإننا بحاجة إلى ضمانات ضرورية باحترام وحماية عمال الإغاثة الإنسانية".هذا ما جاء على لسان "انجي سيدكي" المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في دمشق.
ورغم تعرضها لحملة عسكرية شرسة كما هو الحال في مناطق سوريةٍ أُخرى ، لطالما كانت "داريا" تُعرَفُ باحتضانها وحدتين معتدلتين  من الجيش الحر تتمتعان بالمرونة والتوازن، حيث وضِعَت هاتان الوحدتان تحت تصرف إدارة مدنية.
ومنذ مطلع العام 2014، وعندما شَرَعَ نظام الأسد بقصف مناطق سيطرة المعارضة  بالبراميل المتفجرة * وهي عبارة عن براميل قديمة معبأة بالمتفجرات والشظايا*، ألقت مروحيات النظام حوالي 8940 برميلاً على داريا وفقاً لإحصائيات ناشطين في المدينة. ووفقاً لمسئولين إغاثيين أجانب، فقد تعرضت المدينة من الأول من حزيران ولغاية السادس عشر من آب إلى القصف بـ 886 قذيفة وصاروخ وهو عدد يفوق ضِعف ما قُصفَت المدينة به خلال الأشهر الأربعة السابقة.


وقد تم استهداف جميع البُنى الحيوية لحياة السكان كالبيوت والطرقات والمساجد وشبكات المياه والكهرباء، غير أن الهجمات الصارخة كانت في شهر آب عندما تعمّد النظام استهداف الإمدادات الغذائية للمدينة  ناهيك عن محاولته حرق المرافق الأساسية باستخدام القنابل الحارقة.
وقال "عياش" : إننا محاصَرين منذ 4 سنوات، ونعتمد في غذائنا على المزروعات التي نزرعها بأنفسنا، وباستطاعة جميع سكان داريا أن يعيشوا على وجبةٍ واحدة باليوم، ولكن خلال الأشهر الثلاثة الماضية تم تدمير كل المحاصيل بعد سيطرة النظام على أراضينا الزراعية".
وكان مُنظمو حملة الدفاع عن المدينة قد أحصوا 54 برميلاً متفجراً قالوا أنها كانت تحتوي مادة النابالم الحارقة التي لا يمكن إخمادها بالماء. وقالت منظمة حقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقَبةٍ مُستقلة أن المادة المُستخدمة قد لا تكون " النابالم" بل على الأغلب سلاحُ حارقُ مُحَرَمُ دولياً.

 

علِّق

المنشورات: 38
القراءات: 370872

مقالات المترجم