خطة كيري للسلام زادت الطين بلة في سوريا

الكاتب الأصلي: 
Andrew L Peek
تاريخ النشر: 
15 أيلول (سبتمبر), 2016
اللغة الأصلية: 
0

 

بجرة قلم، غَيَرَت اتفاقية السلام التي أبرمها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره الروسي "لافروف"  بخصوص سوريا حوالي خمسة عقود من السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وزادت من سوء الكارثة في البلاد بشكل لا يصدق.

وبموجب الاتفاق، سيشترك الأمريكيون مع الروس بتوجيه ضربات جوية ضد تنظيم جبهة النصرة -فرع القاعدة في سورياً سابقاً- وجاء هذا الاتفاق تتويجاً لعامين من الضغط الروسي للقيام بمهمات مشتركة مع الأمريكيين، ليس لأن الروس بحاجة لمساعدة الولايات المتحدة، بل لأن موسكو تريد أن تضع يدها على ما تبقى من المنطقة في سبيل أن يُقرَ الأمريكيون بقوة روسيا.

 

ومن الناحية الإستراتيجية، يعتبر هذا الاتفاق كارثة، فإذا ما استثنينا في الوقت الحالي أن الولايات المتحدة ستقصف أكثر أعداء الأسد التزاماً وتساعده على البقاء في السلطة بشكل يتعارض مع سياستها، ناهيك عن أن الأسد سفاح قصف شعبه بالغازات والبراميل المتفجرة وأشعل حرباً تسببت بمقتل حوالي 600 ألف سوري وأن القوة العسكرية الروسية تصول وتجول في الشرق الأوسط بلا رقيب لأول مرة في التاريخ، فإن بقاء الأسد في الحكم هو هدية لروسيا وإيران ولكل مستبد يرفض التوصل إلى تفاهم، ولكل بلد محتال يتحدى مبادئ الولايات المتحدة.

سيئة هي التشعبات طويلة الأمد، فعلى مدار نصف قرن كانت سياسة الولايات المتحدة تتمثل بمنع أي دولة شرق أوسطية معادية من تحقيق أهدافها من خلال قوة الروس. وخلال الأيام الأولى لحرب عام 1973 بين العرب وإسرائيل، أقامت إدارة الرئيس "نيكسون" جسراً جوياً عاجلاً لإمداد إسرائيل بالسلاح، ليس لأن الرئيس كان يحبها ولكن لأنه لم يكن مسموحاً لسوريا ومصر تحقيق أهدافهما بدعم وأسلحة روسيين، ولو أرادتا استرجاع أراضيهما من إسرائيل، فقد كان عليهما إتباع القواعد الأمريكية للعبة والدخول في عملية السلام، وفي حال رفضهما ونجاحهما بذلك فسوف يشجع هذا كل دولة مستاءة أن تحذو حذو سوريا ومصر، وستتصاعد الحرب مع تراجع النفوذ الأمريكي، لكن سوريا ومصر خسرتا الحرب مما أدى إلى تراجع النفوذ الروسي وراحت المنطقة تنتظم وفق نظام أمريكي معترف به تمثل بالقيادة السعودية والسلام مع إسرائيل والتعاون المشترك ضد إيران.

 

شكلت حرب الخليج عام 1990 نجاحاً كبيراً لإنه بالإضافة إلى النجاح بطرد القوات العراقية من الكويت، انضمت روسيا وسوريا إلى الولايات المتحدة في عقابها حليفاً لموسكو كان قد خرق النظام الأمريكي في المنطقة.

كان ذلك أفضل رخصة ناملها لإنهاء الحرب الباردة والإقرار بدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: إن عدونا السابق ليس فقط السكوت تماماً عن المعايير الأمريكية، بل والإصرار على تنفيذها. وبعبارة أخرى كان على العكس تماماً من اتفاق كيري حول سوريا.

كانت الرهانات الكبرى مستحيلة، ففي أي منطقة كانت الدول تتخذ ألفاً وقرار حول كم من الرغبات الأمريكية سوف تحقق وكم سوف تتجاهل. في منطقة حيوية استراتيجياً كالشرق الأوسط، فإن هذه قرارات مثل كمية النفط التي يجب أن نضخها ومدى الاستثمار في عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية و تحدي إيران وهي أكبر دولة مهيمنة في الشرق الأوسط، ومدى كوننا ديمقراطيين ، ومحاربة الإرهاب الإسلامي: ومدى دعمنا للإرهاب. ومنذ حرب الخليج، أذعنت للولايات المتحدة  دول كالمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وحتى سوريا ما قبل الحرب. وإذا ما بدأت هذه الدول بالإذعان لروسيا كما فعل كثير من الدول قبل العام 1967 فإن العالم سيبدو أكثر خطراً.

والأسوأ من ذلك هو أن الإدارة الأمريكية والتي تبدو غير راضية عن حصر هزائمها بسوريا فقط، قد ربطت الحرب ضمنياً بتنازلات أخرى في سياستها الخارجية، حيث ناقش "كيري" مع الروس مسألتي أوكرانيا و سوريا ولكنه شدد على الأخيرة  والتي يوليها اهتماماً كبيراً. ومنذ العام الماضي، كان الوزير يعرض تقديم المساعدة الأمريكية للروس بخصوص أوكرانيا لقاء التعاون الروسي في سوريا .  وضعت الولايات المتحدة نفسها  الآن في موقف سخيف عبر إطلاق بد الروس في أوكرانيا والضغط على "كييف" لقاء ما يريده الروس أنفسهم في سوريا وهو بقاء الأسد على رأس السلطة والإقرار بدورهم العسكري.

وحتى لأسباب إنسانية، فإن الأساس الوحيد الذي قد يُبرر عليه هذا الاتفاق هو الفشل. إن الأزمة الإنسانية المباشرة لم تتسبب بها جبهة النصرة، بل هي نتيجة لحصار مدينة حلب على مدار معظم العام الماضي من جانب قوات النظام تاركة ممراً وحيداً إلى خارج المدينة  تحت سيطرة الثوار ذاك الذي تقصفه المقاتلات الروسية باستمرار. وخلال الشهر الفائت، تحسن وضع الثوار بصورة غير متوقعة، إذ يعود هذا التحسن إلى الهجوم المضاد الذي شنته جبهة النصرة ضد مواقع قوات النظام.

 

 

ولا تسمح اتفاقية السلام هذه لسلاح الجو الروسي بالاستمرار في قصف الثوار-بما أن مقاتلي جبهة النصرة مندمجون مع الفصائل الأخرى- فحسب  بل و تمكن النظام السوري وحلفاءه الروس من المضي بهجماتهم بهدف إغلاق آخر الممرات من وإلى حلب وبذلك احتلال كامل المدينة- من دون انتهاك قرار وقف إطلاق النار فنياً، وهذا هراء بكل معنى الكلمة.  

وبدلاً من ممارسة أي ضغوطات على الروس أو النظام السوري - كما أورده سابقاُ 51 من دبلوماسيي وزارة الخارجية الأمريكية في حزيران الماضي- فإن إدارة الرئيس أوباما تقدّم المزيد والمزيد وكأنها آلة كرات العلك الملوّن العجيبة- حيث بات من الصعب استدراك الأضرار التي ألحقتها بمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

عدد القراءات: 34181

علِّق

المنشورات: 46
القراءات: 1493026

مقالات المترجم