نشرت في .December 23, 2015
الناشر تاريخ النشر الكاتب ترجمة الرابط الأصلي للمادة
foreignpolicy 21 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015 REID STANDISH فواز السعيد اضغط هنا

قامت مجموعة من الرجال بالتسلل من خلال أكوام من الأنقاض لمشاهدة الأضرار التي نجمت عن آخر غارة جوية على البلدة القديمة في حلب. وكلما نبشوا في تلك الأكوام من الأنقاض الخرسانية كانوا يجدون حيوانات نافقة. كان خلفهم يرجل  يصرخ بشكل هستيري وهو يبحث عن أطفاله غير مدرك أنهم ماتوا وسيتم انتشالهم قريباً من تحت الأنقاض. في ذلك الموقع وأمام الكاميرا تواجد المواطن السوري رامي جراح الذي أصبح صحافياً بارزاً. وقال معلقاً على المشهد بإحساس من الاعتياد المحزن: "إنها غارة روسية أخرى على حلب".

 

لقد أصبحت مثل هذه المناظر شائعة إلى حد كبير خلال الحرب الأهلية الدائرة منذ خمس سنوات في سوريا، لكنها وصلت إلى مستوى جديد خلال الثلاثة أشهر الفائتة مع تكثيف الهجمات الأرضية والضربات الجوية التي زادت من حدة الأزمة الإنسانية الطاحنة في البلاد. ويعد هذا التصعيد بالنسبة للجراح ومجموعته البائسة طوراً جديداً في مهمتهم المستمرة لصالح أنا برس التي تعتبر مصدراً مفتوحاً للأخبار وتنشط في كل من تركيا وسوريا لتوثيق الأعداد المتزايدة من الضحايا المدنيين. وكان آخر تحدٍ لهم هو إظهار المعاناة الإنسانية التي سببتها الضربات الجوية الروسية منذ بدأت في 30 أيلول/سبتمبر عندما تدخلت موسكو بشكل مباشر في المعارك الدائرة حمايةً للرئيس السوري بشار الأسد.

وصرح الجراح لوكالة فورين بوليسي في مقابلة معه داخل شقته في حلب قائلاً: "يوجد في هذه المنطقة جماعات متشددة والجميع يعلم مكان تواجدها، لكنهم لا يقصفونها بل يستهدفون الأسواق والمساجد في قلب مدينة حلب".

لم تتمكن وكالة فورين بوليسي من التحقق بشكل مستقل من أن الضربات التي ينسبها الجراح في تقاريره للقوات الروسية كانت في الواقع تنفذ من قبل موسكو. فعملية التفريق بين الضربات الجوية الروسية وضربات نظام الأسد هو أمر في غاية الصعوبة. فسلاح الجو السوري غالباً ما يستخدم طائرات كتلك التي يستخدمها الروس، ويفيد الخبراء بأنه ما لم يتم التحقق من مشاهدة رقم تعريف الطائرة وأنماط التمويه المستخدم عليها فإنه من شبه المستحيل تقديم دليل قاطع بهذا الشأن.

وفي تصريح لوكالة فورين بوليسي قال جيفري وايت وهو زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومسؤول سابق في الاستخبارات الأمريكية: "قد تكشف قوة الضربة هوية منفذها، فعندما يقصف الروس أهدافاً يقصفونها بقوة تدميرية هائلة. ومن عايش هذا الأمر على الأرض لفترة طويلة باستطاعته تمييز هذا الأمر بسهولة.

 

منذ تجرؤها على شن هجمات جوية داخل سوريا، يتم اتهام موسكو من قبل الحكومات الغربية ومنظمات إغاثية باستهداف المدن السورية المتمردة مثل حلب وقتل المدنيين في دعم فاضح لقوات الأسد. لكن روسيا نفت استهدافها للمدنيت وتصر على أن عملياتها داخل سوريا موجهة فقط لمكافحة الجماعات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة وهما من أبرز الجماعات السورية المحسوبة على تنظيم القاعدة.

وحول تلك التفجيرات الحديثة قال الجراح: " إن كل من يسكن في حلب يمكنه التمييز من أن هجمات الأشهر الأخيرة تختلف عن الهجمات التي اعتادوا على مشاهدتها خلال الأربعة سنوات الفائتة".

منذ أن حمل الجراح كاميرته لم يكن يتخيل حجم المأساة التي سيشهدها خلال توثيقه لما أصبح يعرف بالحرب العالمية في سوريا. فحين بدأت الاحتجاجات المناهضة للنظام في عام 2011 كان الجراح رجل أعمال ناجح يعيش حياةً كريمة. لكنه واجه ضغطاً متزايداً في الاختيار بين الانضمام لجوقة المؤيدين للأسد أو الاستقالة من منصبه، فاختار الثاني ليجد نفسه في الشارع مع المتظاهرين الداعمين لمطلب الديمقراطية.

عندما ردت القوات الحكومية السورية على أولئك المتظاهرين بالعنف والقمع وقتلت تسعة أشخاص، عرضت عليه إحدى لجان التنسيق المحلية (وهي عبارة عن شبكة من الناشطين المناهضين للنظام) بأن يتكلم إلى الإعلام الغربي نظراً لنشأته في بريطانيا وتحدثه باللغة الإنجليزية بطلاقة فقبل ذلك العرض. وهكذا ظهر الجراح في تلك الليلة لأول مرة على قناة الجزيرة ومن ثم على قناة (سي إن إن) لإعطاء تقارير مفصلة عن حملات النظام في الوقت الذي كانت جميع وسائل الإعلام الأجنبية تقريباً غير مصرح لها بالعمل من داخل سوريا.

 

لم يكشف الجراح عن وجهه ولا عن إسمه في ذلك الوقت خوفاً من الانتقام، وأطلق على نفسه لقب "أليكساندر بيج"، وهو فنان كان قد قرأ إسمه على النت مباشرةً قبل إجراء أول مقابلة له. وقد علق به ذاك الإسم منذ ذلك الحين.

تحت هذا الاسم المستعار استمر الجراح بنشر قصصه مستخدماً تويتر وفيسبوك لرواية مجريات الثورة التي كانت تحدث على الأرض في سوريا. لكن نشاطاته تعرضت لخطر جسيم حين تم اعتقاله من قبل النظام على خلفية تصويره لإحدى المظاهرات بواسطة جواله الآيفون فتعرض للتعذيب لمدة ثلاثة أيام قبل أن يطلق سراحه من جديد.

حتى ذلك الوقت استمر الجراح في إجراء مقابلات مع محطات غربية وعربية مستخدماً إسم أليكساندر بيج دون أن يغيره. إلى أن بات هدفاً لأجهزة أمن النظام بسبب تقديمه تقاريره عالية المستوى، وفي نهاية المطاف تلقى اتصالاً من أحد الأصدقاء على صلة بالنظام برفع الغطاء عنه، مما اضطره للهرب إلى القاهرة مصطحباً معه زوجته وابنته وكان ذلك في خريف عام (2011).

ومع الكشف عن إسمه انتقل وضع الجراح من ناشط إلى صحفي حيث باشر العمل مع صحفيين مصريين خلال قيامهم بتغطية أحداث خلع الرئيس محمد مرسي فوجد نفسه في مواجهة مع النظام الجديد الذي ترأسه عبدالفتاح السيسي. فما كان منه إلا أن هرب مرة أخرى إلى جنوب تركيا حيث أدار محطة إذاعية، إلى أن التحق في نهاية المطاف بعمله الحالي مع وكالة أنا برس التي يقوم بتزويدها بالتقارير من داخل سوريا.

 

وقال الجراح معقباً: "كنا في السابق ندعم المواطنين الصحفيين، إلى أن جاء ذلك اليوم وأنشأنا وكالة خاصة بنا لنشر الأخبار التي نؤمن بأهميتها.

بالنسبة للجراح فإن حدث اليوم هو الضربات الجوية الروسية وارتفاع الضحايا المدنيين. فخلال ما يقارب الخمس سنوات من الحرب الأهلية تصاعدت أرقام الضحايا إلى مستويات غير مسبوقة: أكثر من 250 ألف لقوا حتفهم، 13.5 مليون في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، 6.6 مليون أجبروا على مغادرة بيوتهم في الداخل، وملايين آخرين باتوا لاجئين وازدادت المأساة أكثر في الأشهر الأخيرة. فطبقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أكثر من 120 ألف شردوا من بيوتهم منذ بداية شهر تشرين ثاني/نوفمبر "نتيجة القصف الجوي فضلاً عن الهجمات البرية بين الأطراف".

في شهر تشرين ثاني/نوفمبر الفائت، أصدر أطباء لمنظمة حقوق الإنسان تقريراً ممنهجاً يوثق آلية استهداف قوات الأسد للعاملين في المجال الطبي، مع تعرض حلب لهجمات غير متناسقة كونها هدف أساسي لقوات النظام. وجاء في ذات التقرير تعرض أكثر من عشرة مرافق طبية للقصف الروسي. وكان تقرير آخر صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن قد وثق لعدد 353 ضحية من المدنيين بسبب النظام السوري والضربات الجوية الروسية التي جرت في النصف الأول من شهر كانون أول/ديسمبر، منها 70 حالة تعزى لقصف الطيران الروسي بشكل مباشر.

 

وقال كريس هارمر كبير المحللين في البحرية الأمريكية من معهد الدراسات الحربية لفورين بوليسي: "إن الهدف الأساسي لاستراتيجية نظام الأسد هو تفريغ المناطق المتعاطفة مع الثوار من سكانها". من غير المجدي محاولة التفريق أو التمييز سواء كان الأسد أو روسيا من يقوم بالقصف، فكلاهما يعملان لتحقيق ذات الهدف، وهذا جوهر الأمر.

بعد وقت قصير من التدخل الروسي في سوريا، قامت قوات الأسد وبدعم من قوات إيرانية ومليشيا حزب الله بشن هجوم بري لاستعادة حلب ومناطق أخرى يسيطر عليها الثوار. ورغم ذلك لم تجرِ الأمور مثلما أرادتها دمشق وحلفاءها. وهذا ما يفسر التصاعد في الهجمات على المدنيين، طبقاً لهارمر.

وأضاف هارمر: "إن لم يستطع الجيش السوري استرداد الأرض فعليه إفراغها من سكانها لاستعادتها".

بالنسبة لجراح وطاقم العمل الصغير في الوكالة التي يعملون بها، سيؤدي هذا إلى مزيد من الأنقاض، مزيد من القتلى، ومزيد من الدمار جراء القصف الجوي.

"لقد فقد السوريون ثقتهم بهذا العالم. ورغم مشاهدتهم لما أقوم به فهم يقولون لي بأني أضيع وقتي"، هكذا صرح الجراح مضيفاً: "أنا لست ساذجاً، لكنني على يقين تام بصحة ما أقوم به".
 

  • REID STANDISH
روسيا تواصل قصف مدينة حلب

علِّق