عدد القراءات: 12099

رسالة الشعب السوري : "الثورة مستمرة"

 

وصابرٍ تلهَجُ الدنيا بنكبته

 تَخالُهُ -من جميل الصبر- ما نُكِبا

أكاد أتصوّر أن شوقي لم يقصد بهذا الصابر المجهول إلاّ شعب سوريا العظيم الذي أدهش بصبره العالمَ وحيّر الدنيا! الشعب الذي اجتمع عليه الأعداء الذين تفرقوا عن غيره، وانفضّ عنه الأصدقاء الذين اجتمعوا على سواه. الشعب الذي ما يزال يُقصَف أشدَّ القصف ويُبادُ بأنواع المبيدات منذ خمسٍ حتى ظنّ خصومُه أنهم أخضعوه وأركعوه، فلما ذهب مفاوضوه ليُسمِعوا العالَمَ صوتَه كانت وصيته للوفد المفاوض: لا تتنازل، لا تنسَ الهدف الذي من أجله ثرنا أولَ مرة: إسقاط النظام وتحرير سوريا من الأغلال والاحتلال.

 

هذا الشعب الفريد العجيب الذي هتف أول مرة: "الموت ولا المذلّة"، فمات منه مَن مات، ثم لم يرضَ الباقون بالمذلّة رغم ضراوة المحنة وصعوبة الطريق.

 

*   *   *

 

ما كادت الطيّارات الغادرة التي تحمل الموت والدمار تنحسر من السماء بعضَ الانحسار حتى انفجر الأحرار وثاروا كما يثور الإعصار، فأعادوا مجد الأيام السالفة التي ما زلنا نذكرها بكثير من الإكبار والافتخار.

خرج أحرار سوريا في أكثر من مئة مظاهرة على كامل التراب السوري المحرر ليعيدوا للثورة تألّقها وحيويتها، وليرسلوا للعالم وللنظام وللفصائل المقاتلة في سوريا خمسَ رسائل كبرى:

 

1- لم تستطع خمسُ سنوات من القتل والتدمير والتهجير والحصار والتجويع أن تهزم روح الثورة، فهي ما تزال حية متّقدة في القلوب كما كانت في يومها الأول.

لم تكن هذه المظاهرات العظيمة إلا عيّنة هيّنة متواضعة ممّا يمكن أن يراه العالم في سوريا لو أن سيف القهر ارتفع عن رقاب العباد. لو أن السوريين كانوا أحراراً آمنين لرأيتم منهم الأعاجيب، ولما بقي في بيته أحدٌ قاعداً وحدَه، بل إنه ليخرج مع الملايين فيُنشد معهم نشيد الحرية الذي يُنشدون، وينادي معهم بنداء الكرامة والاستقلال الذي له يهتفون وبه ينادون.

 

2- لم يغيّر الثوار رأيهم ورؤيتهم في هذا الوقت الطويل. قالوا في اليوم الأول: "ما لنا غيرك يا الله"، وعادوا اليوم إلى ذلك الهتاف النبيل العظيم الذي هتفوه أول مرة. قالوا "هي لله" وبقيت "هي لله". أرادوا إسقاط النظام وما يزالون مصرّين على إسقاط النظام. إنّ شعباً عرف طريقه منذ اللحظة التي أوقد فيها شعلةَ ثورته ثم حافظ على هذا الطريق خمسَ سنين لن يَضِلّ -بإذن الله- بعدَ اليوم الطريق.

 

3- كانت المظاهرات استفتاء شعبياً من شأنه أن يُغْني هيئة الأممَ المتحدة عن الاستفتاء المزعوم الذي تريد أن تعرف فيه رأي السوريين في بشار الأسد وفي المرحلة الانتقالية وما بعدها. لا حاجة لأن تُتعب الأمم المتحدة نفسها؛ هذا هو الجواب سمعناه من آلاف الحناجر الهاتفة في مظاهرات الأمس: "يلعن روحك يا حافظ" و"الشعب يريد إسقاط النظام". نقطة، انتهى الاستفتاء وتَمّ الكلام.

 

4- أكد أحرار سوريا أن السلاح الذي حملوه كان وسيلة لا غاية، وأنهم لم يختاروا هذا الاختيار المُرّ ولا استحبّوا المشي في هذا الطريق الصعب لولا أن النظام المجرم ألجأهم إليه وحملهم عليه. وكما كانوا الأسودَ التي لا تَهِنُ ولا تَلينُ في مظاهرات السنة الأولى التي ثبّتت أركان الثورة في الأرض، فكذلك صاروا الأسود التي لا تستسلم ولا تستكين وهم يحملون السلاح في سائر السنين.

 

بعون الله وبالاتكال عليه، سِلْماً أو حرباً وبالسياسة والجهاد، سوف يكمل الأحرار الطريق.

 

*   *   *

 

5- الرسالة الخامسة والأخيرة هي الرسالة التي أرسلها الأحرار إلى الفصائل والجماعات: مهما سمّيتم من أسماء ودعوتم إلى مناهج ومهما رفعتم من رايات وحملتم من مشاريع، مهما صنعتم فلن تنجحوا في تمزيق صفّنا وفي صرفنا عن راية الثورة التي مشى تحتها ملايينُ الأحرار. لن تنجحوا في التشويش على مشروعنا الجامع الذي خرجنا من أجله يومَ لم يحمل في سوريا أحدٌ أصغرَ قطعة من سلاح: مشروع إسقاط النظام وتحرير سوريا من القيود والأغلال.

 

إنها رسالة مدويّة تقول للغلاة: لقد عادت رايات الثورة الخضراء خفّاقةً في سماء الثورة فهزمت السواد الذي جلّلتم به البلاد. لقد كره الشعب السوري راياتكم وآلى أن لا ينشرها فوق سوريا بعد اليوم، ليس لأن هذا الشعب المسلم يكره راية التوحيد، معاذ الله، وأنّى وهو يهتف لله وباسم الله؟ كيف وهو ما خرج إلا في سبيل الله ولا يريد إلاّ شرع الله؟

 

إنما كره في راياتكم مناهجَ التشظية والتفريق وكره الكِبْرَ والعدوانَ والظلمَ والاستبدادَ باسم الله وباسم الدين. فاطووا راياتكم المفرِّقة المشتِّتة، واسحبوا مشاريعكم فإنها لن تُنبت في سوريا، لن تغذيها في أرضنا تُربةٌ ولن يَسقيها ماء. أمّا راية التوحيد الصافية الجامعة (لا راياتكم الحزبية المفرّقة) فإنها في أعماق القلوب وإنها تيجان الرؤوس، وكما قال أمس شاعر الثورة أنس الدغيم فحلّقَ وأجاد:

 

بل إننا نحيا بها و نموت كي          تبقى برغم معاندٍ و مخالفِ

لكنْ نرفّعها على أن لا تُرى          رمزاً لتيّارٍ و حزبٍ زائفِ

علِّق