بوتين يتّبع في حلب الطرق ذاتها التي اتبعها في غروزني

الكاتب الأصلي: 
Mark Galeotti
تاريخ النشر: 
5 تشرين اﻷول (أكتوبر), 2016
اللغة الأصلية: 
0

 

إن قواعد اللعبة في قصف موسكو الوحشي لحلب، كانت قد كُتِبَت أثناء أول حرب بدون أسرى شنها الرئيس الروسي، مدينة تحولت إلى ركام، يهجرها سكانها أو يختبؤون أو يموتون، بكل بساطة، تحت الأنقاض في الوقت الذي يقف فيه العالم متفرجاً برعب. القنابل تتساقط من الطائرات الروسية والقذائف والصواريخ تدوي وتهدر من الأسلحة والقاذفات الروسية. هذه صورة مدينة حلب اليوم، واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم. وكذلك كانت غروزني، عاصمة الشيشان، منذ مدة ليست بطويلة.

إن أي شخص يحاول فهم استراتيجية روسيا العسكرية في سوريا يجب أن يكون حكيماً في دراسته للطرق الخرقاء التي اتبعها فلاديمير بوتين أثناء حربه الأولى بصفته القائد العام لروسيا، وهي حرب الشيشان الدموية الثانية، التي استمرت منذ عام ١٩٩٩ وحتى عام 2000 (حتى وإن لم يتوقف العنف المتقطع فيها). على الرغم من أن هذه حروب مختلفة كلياً، ودار القتال فيها بأساليب متباينة وشاركت فيها قوات مختلفة، لكنها مع ذلك تبرز أحد أهم الجوانب المركزية لنهج بوتين في محاربة المتمردين: قيمة الوحشية.

على أية حال، فقد أظهرت الحرب الشيشانية الثانية قيمة الوحشية عندما تطبق بمقدار كافٍ، هذا من وجهة نظر الروس.

"كل الحروب مروعة؛ وأحياناً يقتضي الأمر أن تكون الأكثر فظاعة" قالها لي أحد المسؤولين الروس، بلا مبالاة، العام الماضي وهو يتحدث عن الحرب الشيشانية الثانية في غروزني والتي خلفت آلاف القتلى ومئات الآلاف دون مأوى. وقد وصفت الأمم المتحدة تلك المدينة بأكثر المدن دماراً على هذا الكوكب. كما اشتمل القول الأصلي للمسؤول على تورية بشعة استخدمها بذكاء إذ تعني غروزني في الروسية "الرعب".

وعلى غرار حلب، تحولت غروزني إلى أنقاض وذلك ليس باستخدام المدفعية التقليدية والقوة الجوية فحسب، إنما باستخدام قاذف اللهب الروسي "بوراتينو" من طراز TOS-1  القادر على إطلاق وابل من 24 صاروخ مزود بقنابل حرارية والذي يحتل من حيث قدرته التدميرية المرتبة الثانية بعد الأسلحة النووية في قدرتها على تحويل المدن إلى ركام.

 

من الممكن أن تكون الحرب الروسية دقيقة بل ومضبوطة أيضاً كما شهدنا في السيطرة على شبهة جزيرة القرم والذي كان دون إراقة دماء تقريباً عام 2014.على أية حال، عندما تكون الغاية -بالإضافة إلى الاستيلاء على الأراضي- تتمثل في إقناع المتمردين -الذين تعد معنوياتهم من أهم أسلحتهم الرئيسية- بأن المقاومة ذات نتائج عقيمة وقاتلة، تكون القواعد هنا مختلفة إلى حد كبير. وبوتين ليس مسؤولاً بصورة كاملة عن الحرب بالطبع، إذ يلعب بشار الأسد وإيران دوراً مهماً ولكن يبدو أنهم يتشاركون نفس التفكير ، بمعنى أن السلام في دمشق يعتمد على النصر الصارخ وإظهار قوة النيران التي لا سبيل لمقاومتها. وكانت حلب المثال سيء الحظ على هذا.

وفي الوقت الحاضر، تواجه كل من موسكو ودمشق غضب المجتمع الدولي واستياءه. وهناك حديث عن فرض عقوبات جديدة ، إذ دعا مجلس الأمن إلى اجتماع طارئ في شهر سبتمبر/ أيلول وعندها قالت سامنثا باور، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة: " إن ما ترعاه روسيا ليس مكافحة الإرهاب بل الهمجية". وأشار بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني، إلى وجود أسباب تدعونا إلى الشك بارتكاب روسيا لجرائم حرب.

لكن الدب الروسي لم يكترث لتلك الاتهامات والكرملين بدلاً من شعوره بالإحراج جراء الفشل، لجأ إلى قواعد لعبته المعتادة في إدارة الحوادث والانتهاكات وارتكاب الفظائع وهي الخطوات ذاتها المتبعة في الشيشان.

وقد أنكرت على نحو قاطع حتى الادعاءات المدعومة بالأدلة. على سبيل المثال، في الشيشان أخبر وزير الخارجية الروسي إيغور إيفانوف وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت، في الوقت الذي عمد فيه الثوار إلى افتتاح "جبهة أخرى" في وسائل الإعلام، أن صور المنازل والمستشفيات المدمرة كانت مجرد تضليل يهدف إلى "إلقاء ظلاله على إجراءات السلطات الفدرالية في محاولة لتعقيد علاقات روسيا مع شركائها في العالم".

 

وفي الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، ردد السفير الروسي المخضرم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، الخطاب ذاته، نافياً التوثيقات الضخمة للغارات الجوية والضربات المدفعية واصفاً الأمر ب "محاولة لإطلاق حملة إعلامية تهدف إلى تشويه مصداقية الإجراءات الحكومية في مكافحة الإرهاب وذلك عن طريق استخدام مقاطع فيديو قديمة ومزيفة".

وما لا يمكن إنكاره  أصبح الآن أمراً عادياً وقليل الشأن يعللَّل عن طريق الزعم بأن الجميع يفعل الشيء عينه أو يتهربون من الاعتراف باللجوء إلى الردود الغاضبة. في الشيشان، حيث كان من المسلم به أن نظام الثوار أصبح يخضع بصورة متزايدة لسيطرة الإسلاميين، صُوِّرت الحرب على أنها مجرد جزء من كفاح عالمي ضد طالبان وتنظيم لقاعدة. كما أطلق وزير الدفاع الروسي على كل من أفغانستان والشيشان تسمية "فرعين لشجرة واحدة". وإن أي محاولة للتشكيك بالأساليب الروسية كانت تلفق على أنها محاولة لحماية الإرهابيين.

وبالمثل، ادعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاكاروفا، بأن الاتهامات الأمريكية فيما يتعلق بحلب إنما هي حيلة لصرف الانتباه عن الهجوم الأخير الذي شنته على القوات السورية قرب دير الزور وتأكيداً لذلك ادعت أن " البيت الأبيض يدافع عن [تنظيم الدولة]". فعدم الإقرار يولد هجوماً مضاداً على الدوام.

 

والنقطة الأساسية هي أن موسكو تعتقد أن مناورات كهذه ستنجح، لأن الغرب انتقادي وسريعاً ما ينصرف انتباهه في الوقت ذاته.

وفي حديثي مع الروس، مرة تلو الاخرى، حول مواضيع سياسية أو شيء من هذا القبيل، أدهشني الإيمان العميق بأنه في الغرب، الواقع السياسي هو كل شيء. كما إنهم  يرفضون الحديث عن المبادئ الجوهرية وحقوق الإنسان، إذ يرونه خطاباً تبريرياً للذات وتسويغاً طناناً أو نفاقاً محضاً. وتكمن المفارقة في أنه كلما اتخذت السياسة الروسية منحىً أيديولوجياً، كلما زاد استعداد الكثير في قيادتها إلى الاعتقاد بأن الغرب لا يؤمن بشيء.

لذلك، هناك افتراض قائم على أنه عندما يحين وقت الحسم، فإن الغرب سيتجاوز عن أي تصرف وحشي من الجانب الروسي إذا كان ذلك يؤدي إلى نهاية منشودة مثل القضاء على داعش، ضاماً يديه إلى بعضهما مع طرفة عين تنم على إدراك الواقع.

وبعد  كل ما جرى في الشيشان، على الرغم من عدم الرضا، الذي كان واضحاً، تجاه هجمات روسيا العسكرية الهمجية و وما تلاها من حملة شرسة شنتها لمكافحة التمرد، لم تقدم الحكومات الغربية على فعل أي شيء لتدعم كلامها بالأفعال. وفي بعض الأوساط، تم قبول ادعاء موسكو بأن ذلك كان مجرد مسرح محلي في "الحرب العالمية ضد الإرهاب". وفي أوساط أخرى، لم تكن هنالك أية رغبة لتحدي الرئيس المنتخب حديثاً، فلاديمير بوتين، إذ كان من المأمول أن يكون شريكاً مناسباً أكثر ويمكن الاعتماد عليه أكثر من سلفه "بوريس يلتسن" المريض ومدمن الكحول.

وأياً كان السبب، فالعبرة المتأصلة لدى موسكو كانت أنه من الممكن تجاهل التزامات الغرب إزاء حقوق الإنسان  بأمان.

 

إلى جانب ذلك، هنالك إيمان أيضاً بأن الغرب لديه مشكلة في الاستمرار بالتعبير عن سخطه. فقد كانت قضية الشيشان مشهورة بالنسبة للبعض عند بلوغ الحرب ذروتها إلا أنها سرعان ما أصبحت طي النسيان. و قد تلى غزو جورجيا عام 2008، بعد أقل من سنة، العرض الأمريكي سيء الطالع في "إعادة توطيد" العلاقات.

وباعتراف الجميع، إن تعويل موسكو على القدرة في تشتيت انتباه الغرب تم اعتراضه بالطريقة التي فُرضت فيها العقوبات عقب السيطرة على شبه جزيرة القرم (حتى الآن). ومع ذلك، ما تزال التوقعات، على الرغم من شناعة الأفعال، بأن كل ما يجب على روسيا أن تفعله هو الصمود في وجه عاصفة الغضب المباشرة. وقصص اليوم حالما تصبح من التاريخ.

وعلى الرغم من التشابه الواضح بين بعض التكتيكات، إلا أن بوتين لا يظهر أية دلالة للاعتقاد بأن الحرب السورية ستكون إعادة لحرب الشيشان بأي حال من الأحوال. وذلك أن هذه البلد أكبر والثوار فيها أكثر قوة إلا أنهم أكثر انقساماً، كما أن المجتمع الدولي أكثر انخراطاً فيها. على أية حال، إن كان هنالك من درس يجب على بوتين أن يتعلمه من نصره الدموي في بلاده، فهو أن أفضل وسيلة للانتصار في الحرب الهمجية تكون باتباع أساليب همجية.

 

يا لسوريا المسكينة.

علِّق

المنشورات: 42
القراءات: 438293

مقالات المترجم