نشرت في .July 05, 2015

الخطاب السلفي / الصوفي قراءة في البواعث والتجليات...

إذا تجاوزنا الرؤية المثالية لدى الخطاب الديني الوعظي السلطوي (الصوفي – السلفي) الذي يتغيا الواقع بنفيه ويتحدث عن المستقبل بماضوية واضحة مغرقة بما (كان) غافلاً عما هو (كائن)، و يعيش الآبائية الفكرية وفكر الأضرحة المعرفية، ويقف بصمت وموت أمام إشكاليات معرفية متوارثة في التراث والحضارة الإسلامية في الماضي البعيد وما يتضمن هذا التماوت من استنساخ معرفي دقيق يقفز فوق أي استنتاج عميق الأمر الذي يفضي إلى انغلاق فكري تام وبروز ثنائية (مع / ضد) تجاه الحضارة البشرية الجديدة فضلاً عن فقدان أي دلالة واضحة تجاه الذات ...

لو تجاوزنا تلك العلل المستشرية في الخطاب الديني السوري خاصة والإسلامي عامة والتي تعيد انتاج التخلف واستقرار ودورات الاستبداد والتوحش أيضاً -لو تجاوزنا كل ذلك- وتحركنا لدراسة النموذج العقلي الذي أفرزته التجارب الفكرية لهذا الخطاب بلغة واقعية وأدوات عقلية وشرعية، أمكننا التوصل إلى قناعة نظرية وعملية بأطروحة ((وعاظ السلاطين)) فيما تمثله من تعارض مع مبادئ الدين وحقوق الإنسان والقيم الإنسانية العليا...

إن أداء المشيخة السورية (الوعظ السلطاني) كان بمثابة الفيروس الخازوقي المستعصي على العلاج فقد كان قاصراً في عمومه، وكان بإمكان رجال الدين لو تحالف الصف الإسلامي بشكل أوسع مع نداء الثورة الأول أن يختصر الوقت والدم ويحفظ العرض والأرض، إلا أن الخطاب الديني في أحسن أحواله في بدايات الثورة كان كما يقول د. معتز الخطيب يكتفي بالنقد أو النقد على حياء  حيث ( دفع عنصر المفاجأة وغموض مصير الثورة إلى تَردد “جماعة زيد”، فقد أبدى الشيخان أسامة وسارية الرفاعي انتقادات لسلوك أجهزة النظام في موقف متقدِّم جدّا إلى جانب مواقف شيخ القراء كريّم راجح)

بالمقارنة مع موقف حلفاء النظام، رغم أنهم لم يغادروا القول بشرعية النظام ومديح مراسيمه وتعديلاته التي وُصفت بالإصلاحية ، فذلك النقد لم يصل إلى حد دعم التظاهر بل إن الشيخين دعَوَا إلى عدم التظاهر وانخرطا في الحديث عن خطاب “الفتنة” والمؤامرة”، وسعيا إلى البحث عن “مفاتيح التهدئة” في الأشهر الأولى، ففي خطبة (12-8-2011) يخاطب الشيخ سارية الرفاعي رجال الأمن قائلا: “اتقوا الله في هؤلاء الذين أساؤوا لكم بالتظاهر، ولكنهم ليسوا عصابات مسلحة”.

يتضح من تَتَبُّع خطب الجمعة لمشايخ الجماعة (أسامة وسارية الرفاعي ونعيم العرقسوسي) اكتفاء “الجماعة” بالدور التقليدي لها، وهو ممارسة العمل الدعوي والبعد عن العمل السياسي والثوري، وربما أفلحت ضغوط النظام الأمنية والسياسية في كبح جماحها، فاتخذت موقفا وسطاً وقَنَعت في المرحلة الأولى من الثورة بإجراء بعض الإصلاحات والتحسينات مقابل حثّ الناس على عدم التظاهر.)

معتز الخطيب: التنافس على الدين والسياسة في سوريا مقال نشر على موقع كلنا سوري

 

لو فكر أتباع الخطاب الديني  بمناقشة ما توارثوه تماماً لما وصل الحد الى هذا الدم والدمار والتخريب...

2

مراجعة وتمحيص:

تعاهد وتعاقب هذا الموروث المتآكل على فكرة رفض الحزبية وكل ما يتعلق بأشكال الديمقراطية، وفي المقابل على السمع والطاعة لولي الأمر!!!

كما عمدوا إلى تحريم كل أشكال الخروج على الحاكم، وقيدوها بالكفر البواح!!!

لكن أي حاكم مجنون سيقول: (أنا كافر) !!!

ولم يعد الخطاب الديني المنهك باستحضار رؤى تخاصم الواقع  أن:

  • تحويل جمهورية إلى ملكية كفراً...

  • لم يفتوا أن تزوير صناديق الاقتراع كفراً...

  • لم يبينوا أن مس حقوق الإنسان تعد كفراً!!!

لكنهم  أجازوا (الاستعانة بغير المسلمين لدفع المعتدي ولحماية الدين كما أفتى ابن باز سابقاً عند احتلال صدام للكويت وتدخل القوات الغربية)، وكما أفتى الشيخ محمد سعيد رسلان السلفي في مصر حالياً  بما يتوافق مع فتاوى الشيخ البوطي ووافقهم الشيخ علي جمعة، في سوريا أن من بين من تصح ولايته من تولى الحكم وغلب بسيفه، وهو ينطبق على ما قام به الجيش من عزل مرسي وتنصيب رئيس آخر غيره، بل وصل الخطاب السلفي/ الصوفي  إلى الإفتاء  بعدم صحة دفع الديات الشرعية في قتلى فض اعتصامي "رابعة العدوية" و"النهضة" كون المشاركين من البغاة الخارجين على الحاكم، تماماً كما عدّ الشيخ البوطي من خرج على السلطات العربية بالبغاة في كتابه الجهاد، وهو الموقف عينه الذي انتهجته السلفية السلطانية عندما نادت بتوصيف ما دعت "الجبهة السلفية" في التظاهر ضد النظام المصري في 28 نوفمبر الماضي، تحت مسمى "انتفاضة الشباب المسلم"، حيث قال : إنها من أشكال الخروج على الحاكم، ومن أفعال الخوارج.

 

3

مثل الشيخ الشهيد رياض الخرقي حالة متفردة بل ونادرة في الصف الإسلامي التقليدي المحافظ فانخرط في صفوف الثورة منذ بداياتها، حافظ على التوجه العلمي العام وتميز بالصرامة والشفافية وكانت الميزة الرئيسة له أنه بقي مستقلا عن الاحتواء رغم العوز والفاقة والحصار للغوطة الشرقية...

لقد تحرر من فكرة صرة الملبس والجبة والكم العريض والحفظ والتلقين وتوقف عن تلك المنظومة التي تقوم على التدمير المستمر للذات والاخرين.

مات الشيخ حسام الفرفور والشيخ عبد الفتاح البزم لاستبسالهما في الدفاع عن مخزون الفتنة الفقهي الذي استقر عليه الخطاب الديني (السلفي والصوفي) .

يتضح أن الخطاب السلفي الصوفي السلطوي يعمل وبجد وبسعي دائم إلى تهميش وإنكار بقية التيارات والجماعات السلفية/ الصوفية  الأخرى، فضلاً عن الجماعات الإسلامية خارج الإطار السلفي/ الصوفي ، وتحديداً جماعة "الإخوان" التي أدرجتها الحكومة المصرية تنظيماً إرهابياً. – وكان قد صمت الخطاب الديني في سوريا لعقود على حكم ظالم وهو الإعدام لكل من انتسب للإخوان المسلمين.  

لاشك أن البزم وفرفور وحسون وعكام يمثلون عمق المسألة الثقافية حيث يرتكز الفقه المذهبي على:

  • - رفض العمل السياسي والحزبي والانتخابات.

  • - الولاء المطلق والسمع والطاعة لولي الأمر وعدم الخروج عليه وتحريم الثورات والمظاهرات والعمل السياسي العام ضد النظام الحاكم

  • - معاداة التيارات الإسلامية الحركية (الجهادية)، فضلاً عن المحافظة مثل (الإخوان)

الغريب أن هذا الخط الفقهي التزم في مقرراته عدم إعذار المفكرين والإصلاحيين في الخطأ أو التأويل لبعض اجتهاداتهم (أنظر البوطي مثلاً في فقه السيرة ونقده للمدرسة الإصلاحية) في الوقت الذي يختلقون الأعذار للحكام!!!

لقد سعى هذا الخطاب الديني السلطاني إلى الوشاية على الدعاة، ورفع التقارير فيهم للحكام كما حصل في سوريا ويحصل الآن في مصر، ونحى بالشدة على المخالف والتحذير منه علناً وإظهار البراءة من أخطائه وتصرفاته. -السعي إلى إسقاط المخالف ودحض حججه الفقهية و اعتبار النصيحة للنظام الحاكم خروجا على ولي الأمر والإفتاء بحرمة الخروج على الحاكم، ووجوب قتل الخارجين على الحاكم حفاظا على النظام العام بل وصل الأمر بهم إلى الموالاة والمعاداة على مسائل اجتهادية، وعدوا بعض المواقف  مناطات للانتساب والخروج من الدين ، مثل: حكم الانتخابات والمظاهرات واعتبار منهج المهادنة للحاكم هو الشرع والحكمة، و العمل على نشر ثقافة إعطاء الأنظمة الحاكمة صلاحيات المطلقة في الاختصاص، في الداخل والخارج والعلاقات الدولية والتصرف في المال العام واعتبار من يعارض الحاكم أو يناقشه من الخوارج. - عدم الدعوة إلى الجهاد، تحت ذريعة أن المسلمون اليوم ضعفاء بالنسبة للعدو من جهة العدة والعتاد، فيقولون إن العدو هو من يصنع الأسلحة والمحتكر لها. - يرون شرعية الجهاد الصحيح وبشروطه المعتبرة، وهي أن يكون المرء على قدرة وبإذن ولي الأمر.

ويتركز موضوع أزمة هذا الفقه على فقدان الشرعية السياسية والازمة الدستورية الخانقة مما فاقم المسألة الثقافية ومنعها من النمو الطبيعي بعيداً عن الاحتواء والتركيع والتطويع والتجويع ....

إن أخطر ما عانته أمتنا الإسلامية عبر العصور، هو تكاتف تحالف فقهاء الظلام وأمراء الاستبداد؛ وتمركز قرار الأمة في طبقتي فقهاء وأمراء الظلام، اللتين شكلتا تحالفاً غير مكتوب، بوعي أو من دون وعي ، صارت تحالف الفئتين؛  من أسباب وأد حرية الرأي والتعبير الفطرية السامية، فتعطلت القوة المجتمعية، ووئدت قيادات المجتمع المدني، القمع المتكرر أفضى إلى الفشل، والفشل جر إلى الإحباط واليأس والشلل، فتعطل التجمع المدني الحر، واستبدلت فعاليات المجتمع المدني الشعبية المستنيرة الفعالة؛ بقيادات فقهية سلطانية مقموعة قامعة هشة ، لا تهش ولا تنش ، يحملها الناس فوق طاقتها، وهي منقادة إلى الحكام، تدور في مدارات الطغاة،أو تمارس ترعيع العوام، لتشكل منهم رأيا عاما غير مستنير، تغره ويغرها، فضعف الطالب والمطلوب.

ومن غرائب فقهاء غبش الصحراء والطغيان أن تجدهم ينادون بالصبر على جور الإمام والهدوء ، ولو كان هدوءاً لا يؤدي إلا إلى الهوان، بل قد ادخلوا ذلك في مسلمات العقيدة، وهؤلاء العلماء لا يستندون إلى نص قطعي صريح صحيح في الإسلام، لأن الحكم إنما هو وكالة عن الأمة، والوكيل عن الأمة مقيد بإرادة الأمة التي وكلته، وكل النصوص التي تخالف هذا المبدأ، ويتذرع بها فقهاء غبش الصحراء والطغيان ،  لا تصح نصا أو لاتصح تفسيرا، قد تكون مكذوبة أصلا، أو متشابهة، يضربون بها النصوص المحكمة، وإنما هم حراس الوثنية السياسية الجديدة الطائفون حول الطغاة، وذلك من أكبر الاختلالات بالتوحيد.

لانشك أن الاطروحات الفقهية عامرة ومحترمة، لكن تم تضخيم وجه واحد من الفقه؛هو الفقه الفردي، وتم نفي الآراء الفقهية النيرة وما تتضمنه من مفاهيم ومبادئ، وما تقوم عليه من أسس ومرتكزات فكرية وفلسفية من قبيل: الديمقراطية، حقوق الانسان، الفردية، دور المؤسسات والأحزاب وامثال ذلك... كما لا نشك بوجود  صوفية وسلفية متحررة من رهق الماضي وتداعياته ...كما لا نشك في ضرورة اليقظة الفقهية وصحوة الخطاب السلفي الصوفي...

إن تجريد الطغيان من مبرراته الشرعية خطوة حقيقية لا ستكمال البناء المطلوب الذي أول لبناته: إنسان بلا عقد

 

علِّق