نشرت في .July 13, 2015

حين سقطت داعش في تل أبيض في ريف الرقة انتشرت عدة مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لنساء سوريات يقمن فور خروجهن من مناطق نفوذ التنظيم -و بمجرد وصولهن إلى بر الأمان-  بنزع العباءات السوداء التي أُضطررن إلى التلحف بها لتجنب شرور عناصر التنظيم المتطرف، و لتظهر إثر ذلك ثيابهن الملونة بألوان الحياة، و كانت بعضهن يطلقن أثناء ذلك الزغاريد، في حين كانت أياديهن في حركة دائمة و كأنهن كُن يخضن في بحر الظلمات، و قد نجحن للتو في إعتلاء سطحه، و مطاولة السماء.

لقد حدثت تغيرات كثيرة على وجه سوريا منذ بدء الثورة السورية قبل ما ينيف على الأربع سنوات، فقد تعاقب على معظم مناطقها الكثير من ولاة الأمر الذين حفلت سيرهم بالتناقض في أحيان كثيرة، ما أضطر معه المرء إلى تغيير جلده كل مرة حتى يتمكن من التلائم مع الوضع الجديد و بالتالي المحافظة على بقائه، و كانت المرأة السورية على رأس من اتخذه هؤلاء مغلفاً أرسلوا عبره رسائلهم المرعبة للرعية، و هو ما أضطرها بدورها إلى التكيف مع الواقع الجديد، لدرجة كانت مرغمة معها على الرضوخ لأوامر ما كانت لترضى بها في الظروف العادية، و من ذلك الاستعانة بخدمة الـ"مَحرم" للتنقل من مكانٍ إلى آخر، و بخدمة الكفيل لإخراجها من مأزق في حال عدم توفر الأول.

عوقبت المرأة السورية إذاً بالحرمان من العمل الذي ترغب، و أُرغمت على ترك مهنتها في المناطق الغير آمنة، الخوف من عمليات الخطف دفع بالكثيرات إلى التزام المنزل، كما دفع بالكثير من العوائل إلى الهجرة من البلاد، حتى في طريقها إلى خارج البلاد قامت كل مرة بتكييف مظهرها مع الحاجز الذي قد تمر عليه، فذلك الحاجز يفرض على المرأة لباساً محتشماً، و الآخر يضع مواصفات أُخرى أشد قسوةً بحيث لا يظهر منها غير السواد، و هو ما أضطرها إلى حمل "عدة العمل" في حقيبتها، و رغم ذلك فقد تم حجز الكثيرات بسبب مخالفة "قانون المظهر"، و تم إطلاق سراح بعضهن حين حضر كفيلهن مكرهاً.

 

لقد شهدت سوريا فظائع كانت المرأة عنواناً عريضاً لأهمها، فعدى عن عمليات التعذيب و القهر و الإذلال التي تعرضت لها، فقد أُرتكبت بحقها جرائم بسبب جنسها كالاغتصاب، إضافةً إلى عمليات التجارة تحت بند السبي، في حين تمت معاقبة بعضهن على خرق معايير المجتمع في الشرف من قبيل ربط إحداهن في وسط الشارع، في احدى المدن السورية و الطلب من المارة البصق عليها، كما شهدنا و لإسباب تتعلق بالشرف ذاته و خرق المحرمات الدينية نساء يجري رجمهن بالحجارة حتى الموت، بالإضافة إلى عمليات الجلد التي أصبحت من الأمور الإعتيادية، و قد كان السبب في معظم الحالات هو امتناع الضحايا عن الاستجابة للرغبات الجنسية للمعتدين، و لكن تم تغليف الأمر كل مرة بمحرمات دينية، و ينبغي الإشارة أيضاً إلى عمليات الخطف، و كان من ضحاياها فتيات قاصرات جرى تجنيدهن في بعض المجموعات المسلحة "للدفاع عن الشرف و الناموس" هذه المرة.

إن كلفة البقاء في النفق الأسود الذي دخلته سوريا تبدو أكثر إرتفاعاً من مغامرة الخروج منه، صحيح أن أن ثمة نوراً قد تدفع الفراشات السورية حياتها ثمن الاقتراب منه، لكن دورة الحياة تتطلب الحركة، و السير إلى الأمام.

 

 

* الصورة من مواقع التواصل الاجتماعي لمرأة سورية تنزع عباءتها عند خروجها من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش.

 

 

علِّق