صورة eiad
نشرت في .March 13, 2015

 

ربما لم يكن الربيع العربي يشكّل مفاجأة للحقوقيين والمنظمات الحقوقية كما فاجأ الآخرين، أولا لأنها كانت تدرك حقيقة الهوّة العميقة والواسعة التي تفصل الأنظمة الحاكمة عن شعوبها، ومدى الانتهاكات الواسعة التي كانت تمارس بحق هذه الشعوب، والتي كانت هذه المنظمات سباقة في كشفها وفضحها أمام الرأي العام، كما كانت تدرك البنية الداخلية لهذه الأنظمة المخالفة لمبادئ الديموقراطية والمعادية لحقوق الإنسان. وثانيا لأنها بالدراسات والأبحاث التي قامت بها والتوثيق للانتهاكات ونشر ثقافة حقوق الإنسان كانت تفضح سياسة هذه الأنظمة وتحرض على الاحتجاج عليها وتغييرها، لذلك يمكن القول إن الحقوقيين والمنظمات الحقوقية كانت في مقدمة الداعين للاحتجاج والمظاهرات التي بدأ بها الربيع العربي.
ولكن للأسف تراجع دورها رويدا رويدا مع تقدم قوى وأحزاب سياسية  لتتصدر المشهد تعاني المشاكل البنيوية نفسها التي كانت من صفات الأنظمة القديمة من حيث مخالفتها للمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان، فأقصت الحقوقيين واستبعدت المنظمات الحقوقية إلا ما كان ضرورياً للديكور ولم تشركها برسم شكل مستقبل بلدانها.
وربما من أسباب التراجع هو بسبب عدم انتشار ثقافة حقوق الإنسان بشكل واسع لدى الشعوب والمنتمين للأحزاب السياسية، وعدم وجود أي وسيلة ضغط على السياسيين لإجبارهم على إشراك المنظمات الحقوقية بشكل فعال برسم صورة المستقبل، بالإضافة إلى خذلان المجتمع الدولي لمبادئ حقوق الإنسان بتأييدهم شخصيات وقوى سياسية لتتصدر المشهد السياسي رغم سياستهم المخالفة لمبادئ حقوق الإنسان تحت شعار الاستقرار الآني.
يقع على الحقوقيين والمنظمات الحقوقية عبء كبير في دول الربيع العربي، يتمثل بكونهم المؤهلين الأكثر جدارة بتصدر رسم مشهد المستقبل بعد التغييرات الكبيرة التي حصلت بمجتمعات هذه الدول.
وتختلف أولويات الحقوقيين والمنظمات الحقوقية في الدول التي شهدت الربيع العربي، بين الدول التي شهدت هدوءاً واستقرارا نسبيا كتونس ومصر، والدول التي ما زالت تحت وطأة تداعيات الربيع العربي كسوريا وليبيا واليمن مؤخرا، والدول التي لم تصلها موجات التغيير بعد.
ففي تونس ومصر يمكن للمنظمات الحقوقية الاستفادة من الهامش الأوسع الذي أفرزه الربيع العربي لتمكين وجودها وتدعيمه، وأن تكون أولوياتها بالإضافة إلى توثيق الانتهاكات وفضحها، العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان على أوسع نطاق بواسطة نشاطات جماهيرية وامتلاك وسائل إعلام مباشرة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتدريب الكوادر الفعالة والمؤثرة، لتقديم جهود ملموسة في كل المناطق لتحسين أوضاع حقوق الإنسان بما يتعلق بالحريات العامة والسجون وأماكن التوقيف وتمكين المرأة وحماية الطفل وحقوق العمل وحق التعليم وغيرهم من الحقوق الأساسية، مما يخلق قاعدة شعبية تشكل كتلة ضغط على السياسيين والسلطات لاحترام حقوق الإنسان.
دون أن تنسى دورها الرئيس بإعداد الأبحاث والدراسات لمشاريع قوانين وتعديل القوانين الموجودة التي تتضمن تمييزا أو انتهاكا لحقوق الإنسان والعمل على نشرها ودعمها لإقرارها والالتزام بها.
أما في الدول التي مازالت تحت تداعيات الربيع العربي كسوريا وليبيا واليمن فإن دور المنظمات الحقوقية يزداد صعوبة وخطورة وتحمل عبئا أكبر، خاصة وأن هذه المنظمات فقدت في بعض الأحيان حتى المساحة الهامشية الضيقة التي كانت موجودة في ظل الأنظمة السابقة، تحت وطأة الاشتباكات المسلحة وعدم وجود مرجعية أمنية أو قضائية واحدة، وفي ظل توزع المناطق تحت أمرة أمراء سلاح يرتكبون كل أنواع الانتهاكات دون أي رادع، لذلك فإن الأولويات تختلف بالنسبة لها.
فأول هذه المهام هي تكثيف عمليات توثيق الانتهاكات من قبل كل الأطراف، وتجميع هذه الملفات تمهيدا لفتحها أمام المحاكم الوطنية أو الدولية لمحاسبة المنتهكين وتمهيدا للمصالحة عندما يأتي وقتها، وحشد الرأي العام المحلي والعالمي والطلب إلى المجتمع الدولي اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف الانتهاكات الشديدة التي تشكل جرائم حرب بكل معنى الكلمة.
إعداد الكوادر المدربة على التوثيق وجمع الملفات، وإعداد الكوادر الحقوقية لتقديم هذه الملفات أمام المحاكم، وتهيئة إعداد الكوادر التي ستقوم بعملية العدالة الانتقالية ونشر ثقافة المصالحة والمجتمع عند البدء بعملية الانتقال السياسي.
إعداد الدراسات والأبحاث القانونية التي تتضمن صورة شاملة لكيفية إعادة بناء النظام السياسي وهيكليته الإدارية والتنظيمية، بما يحترم حقوق الإنسان ويوفر أوسع الضمانات لممارسة الديموقراطية.
متابعة أوضاع النازحين واللاجئين الهاربين من مناطق الاشتباكات، والعمل مع سلطات المناطق والدول المضيفة لتحسين شروط حياتهم والدفاع عن حقوقهم.
وأخيرا المساهمة بتقديم ما يمكن من عون ومساعدة وإغاثة لضحايا الانتهاكات المحتاجين.
أما بالنسبة للدول التي لم تشهد بعد الربيع، فإن من المهمات الإضافية الملقاة على عاتقها أن تستفيد من دروس الدول التي مر ذكرها، والتنبيه من مخاطر عدم قيام السلطات بالإصلاح السياسي المطلوب، وعدم احترامها حقوق الإنسان والضغط باتجاه إنجاز الإصلاحات المطلوبة، وتغيير البنية القانونية المعادية لحقوق الإنسان بشكل سلس وتدريجي وبإشراف قضائي .
ربما تكون هذه لمحة موجزة وقاصرة عن إدراك كل ما يمكن للمنظمات الحقوقية القيام به، ولكنها محاولة لتلمس الطريق الصحيح، مشيرا أنه لا يمكن أن تقوم منظمة واحدة ببلد واحد بكل هذه المهام ما لم يكن هناك رؤية موحدة وتضامن ودعم وتنسيق بين كل منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع الأهلي.
 

علِّق