نشرت في .May 18, 2015


كان اسمه على اسم أحد الأنبياء، واسم الولد الآخر " عبد " مضافاً إلى أحد أسماء الله الحسنى؛ جمعتهما المدرسة الوحيدة في القرية وضيق ذات اليد لأهليهما. تلك كانت فترة بداية العمر، حيث يجد الطفل  كل ما نشأ عليه وتشرّبه مجسداً ومترجماً في كل تصرف أو إحساس أو شعور او تفكير يصدر منه. كانت درجات الأول مميّزة نتيجة انتباهٍ في المدرسة وجهدٍ غير قليل في البيت؛ فكانت الغيرة وكان الحسد، اللذان وصلا إلى درجة الكره في أعماق الثاني، الذي واجه ذلك بالأرهاب والبلطجية والتشبيح المتفلت من كل عقال قانوني أو أدبي او أخلاقي  يحكم العلاقة الحياتية.
 بعد انقطاع عن الدراسة وممارسة كسب المال السريع، عاد الثاني إلى الدراسة ودخل الجامعة بشكل متقطع إلى أن أصبح محامياً، لم يكن ذلك حباً للعلم أو إيماناً به؛ بل غيرة من الأول واعتقاداً بأن خياراته هي الصح ولا بد من نهجها. وقع الخيار على المحاماة بعد أن كان الفشل في التطوّع بالجيش.لا بد من أنه اعتقد بأن المحاماة هي المهنة الأنسب لمن نشأ على الكره والغيرة والحسد والتشبيح في بلد يُستباح به القانون لإنجاز العجائب؛ ومن خلال المحاماة يمكنه إشباع نزعة الإرهاب والاستبداد لإشباع عقد تحتاج إلى أستذة.
تابع الأول دراسته وأصبح بجهده أستاذاً ناجحاً ومربياً لا يُشق له غبار.
تشاء الأقدار أن يلتقيا ثانية؛ وكان ذلك بعد قيام ثورة سورية: الأول لكرهه الظلم والاستبداد ورفضه لكسر القانون ورغبته بإعادة الحياة إليه؛ والثاني لفشله حيث كان يضيق ذرعا بما تبقى من قانون رادع، ولتطلعه إلى أنه حتى ذلك المتبقي يمكن كسره والانتقال إلى حالة اللاقانون بالمطلق، فالمحاماة التشبيحية لا تعيش إلا على إلغاء القانون كلياً.
كان الاعتقاد السائد لدى الثاني أن الأول ماتفوق عليه أساساً إلا لخرقه القانون الناظم للحياة ؛ فالوصفة السحرية للتميّز والتفوق باعتقاده هي خرق القانون طبيعياً كان أم وضعياً؛ والآن تراه يعتقد أن الأول ما أخذ هكذا موقف من نظام الظلم والاستبداد إلا لتحقيق مزيد من التميّز والتفوق.
كان الثاني قد جرّب بداية لعبة الولاء ؛ وإذ به يجد أن نظام الاستبداد قد تجاوز الجميع حتى في اختراق وكسر ما تبقى من قانون؛ كان ذلك مغرياً له بداية؛ إلا أنه وجد نفسه ليس أكثر من " كومبارس " في ملعب الدعس على القانون؛ فقرر اللعب في الملعب الآخر؛ وخاصة أن غريمه الأساسي قد اختار الضفة الأخرى؛ وليضحي شغله الشاغل استهداف هذا الأول، وفيما توفر له من وقت أضافي يمارس التلاعب بين الخط الأول تشبيحياً وسلطوياً والخط الثاني ثورياً ومعارضانياً؛ وليحكم مسلكه ما نشأ عليه وما مارسه في سني حياته الأولى من كتابة تقارير بمن حوله كي ينال بعض القوة لدى المتحكم بالجميع وكي يوقف تميّز وتفوق الآخرين.
حُزْنُ الأول وآلامه نبيلة؛ يدرك أن الاستبداد الأكبر يتغذى على تشبيح وبلطجية الثاني ولابد أن يزولا معاً كي تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي، والثاني بدوره مأزوم بعودة تفوق وتميّز الأول الذي إن عاد سيعيده إلى مأساته الأساس، فيعمل بقصدية أم دون ذلك على استمرار حالة الدمار والتوتر والصراع والنزف كي تضيع مأساته الخاصة بالمأساة العامة ويستمر النزف إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

علِّق