نشرت في .March 06, 2016

 

*حافظ قرقوط

 

حافظ قرقوط2.jpg

لم يأخذ السوريون وقتا للتفكير بماذا يجيبون هذا العالم الذي تلاعب بدمائهم طيلة السنوات الماضية من عمر ثورتهم، فحين أعلن قادة دوله الكبرى عن هدنة، سارعوا في مدنهم وقراهم، يرسمون خارطة وطن بروحٍ عرفتها تلك الساحات منذ الأشهر الأولى لثورتهم، عرفت أصواتهم وهتافاتهم، وعرفت سحناتهم وابتساماتهم وتوقد مشاعرهم، لكنها زادت عليها من جديد حشرجات حناجر افتقدت للعديد من رفاق الأمس، كشهداء على طريق الحرية.

خمس سنوات ولم يهمل الأسد أي سلاح أو مرتزق يمكن شراؤه إلا واستقدمه، لم يهمل طريقة اعتقال أو تعذيب أو انتقام، لم يترك سقفا أو جدارا آمنا ولا حلما كاملا لطفل أو كهل. رافقه الإيراني بكل حقد موغل بالوهم والانتقام من شيء يرسمه في مخيلة مريضة عن ماض وهمي ليدفع شعبنا الأبي الطيب المسامح ثمن تلك الأوهام المريضة، هو شعب سوريا الذي سارعت كل أدوات إيران في لبنان والعراق للتلذذ بالانتقام منه، وتبعتها آلة روسية مأجورة تفوح منها رائحة عقد نقص تاريخية من كلمة حرية تطلقها شعوب الأرض، فكيف إذا كانت سورية!.

 

خمس سنوات وعيون شباب الثورة على ساحاتهم، ساحات انطلاقتهم الأولى نحو فضاءات الحرية، حين تحدوا الرصاص والقنص وعصي الشبيحة وركلاتهم، وتحدوا عيون المخبرين والسفلة، ثم بصدورهم واجهوا الدبابات والمدافع، وبقيوا في ندائهم السلمي لإسقاط نظامهم وبناء دولتهم العصرية، من ورود غياث مطر وورود ساحة العاصي بحماه، إلى ارتداء الأكفان البيضاء في بانياس ودرعا وغيرها والتظاهر بها، ومن "معليش درعا معليش" إلى حنجرة الساروت السورية كحارس أمين على ثورته التي زف إليها باقات شهداء من أسرته ورفاقه، ومن أرغفة الخبز التي حملها تامر الشرعي وحمزة الخطيب، إلى تجويع المعضميةومضايا، وصمود الزبداني وداريا بل وسوريا.

 

نعم عاد السوريون لهتافهم الأول ولأفراح حريتهم ليس ليتظاهروا حبا بالتظاهر، بل ليرسلوا رسائلهم العظيمة والكبيرة إلى هذا العالم البائس بمجلس أمنه وما تفرع عنه من منظمات وجمعيات أصبحت محسوبة على حزب الأسد،وتتقاسم معه مبادئ القتل والجرائم بالصوت والصورة، فبماذا نذكرهم، بسلاحه الكيمياوي أم براميله الهمجية أم صور التعذيب بالسجون والتي علقت في أهم الأماكن والصالات العالمية ورآها كل صحافيي العالم وسياسييه.

نعم حين خفت صوت الغدر والمدافع والطيران ولو قليلا، عاد السوريون لهتافهم ولساحاتهم بحنية صوتهم كما بيوتهم، ليوصلوا رسائلهم أيضا لهذا النظام وهيئة التفاوض وكل من أراد أن يدلوا بدلوه في سوريا وثورتها، رسالة تقول: الثورة مستمرة فهي ككل الأجنة التي تكونت ونمت ومازالت في مسيرتها نحو النور.

نعم فعلها السوريون وسيفعلونها، وهي رسالة لكل من شكك بثورتهم أو تعب وبث رسائل الإرهاق والاستسلام والتعب، ورسالة لكل من خدعهم بصداقته الفارغة، ولكل من تشاطر بالسياسة على دمائهم، ولكل من أرادهم تحت ظل شعاراته وأعلامه السوداء، أنهم شعب صانع للحياة من تحت الركام، وسينتصر.

تظاهروا أيضا لأن أرواحهم عطشى لتلك الأصوات، أصواتهم، بل إن تفاصيل يومياتهم هي العطشى بداية من صباحاتهم السورية الندية، إلى ابتسامات لمة الشاي أو القهوة، وهي الرسالة الأهم لكل من شردته جرائم الأسد عن بيته نحو اللجوء، أن لهم بيوتا وأهلا مازالوا على العهد باقين، يحرسون الأمانة ويضيؤون شموع الاستقبال، ولن يطول.

 

تظاهر السوريون أيضا مع من كبروا خمس سنوات من أبنائهم ، فكانوا مع الهتاف الأول عام 2011 أطفالا، وهم الآن شباب جديد ينبض بروح الثورة، ومعهم أيضا من كان فتى، فغدا الآن شابا يحمل مسؤولية غد وتاريخ ووطن، ألم يقل الجميع إنها ثورة ولادة، نعم ولادة حتى في طرق الصمود والنهوض، وفي رسم الابتسامة واستنهاض الهمم ورسم الأمل، أمل النصر الذي اقترب.

فهل فهم الشرق والغرب أي شعب حاول أن يبيده، وأشاح الوجه عنه، وهل فهم أشقاؤنا أننا شعب لن يلين، وهل فهم جيراننا أننا نحن تلك العنقاء الخرافية، هل فهم القتلة أننا سنخرق الهدنة بالتظاهر لا بالقتل لأنه ومهما تعددت أساليب القتل، لايمكن هزيمة شعب يطمح للحرية والانعتاق.

 

 

علِّق