صورة eiad
نشرت في .June 25, 2016

 

نستطيع ان نقول ان تاريخ الشام او سوريا كان من صناعة الجغرافيا التي وضعتها بين واديين؛ وادي النيل ووادي الرافدين.

والاودية النهرية الكبرى في التاريخ القديم وايضا الوسيط  كانت مراكز للخصوبة ونشوء الدول المركزية والامبراطوريات، فكان الصراع على سوريا وسهولها سمة ثابتة بين امبراطوريات الرافدين وامبراطورية الفراعنة في وادي النيل، واشهر الحروب وقعت في حوران بين الفراعنة والهكسوس، وقد وصل الأمر بأحد الفراعنه ان ارسل قبائل مصريه استوطنت في حوران وتزاوجت مع اهلها للدفاع عن مصر من ارض حوران امام هجمات الشرق من الرافدين .

 

وعندما انتقلت مراكز القوة الى فارس وروما استمر قانون الصراع على سوريا او بلاد الشام بنفس الفعالية؛ دولة للمناذرة تحت سيطرة كسرى ودولة الغساسنة تحت سيطرة روما، الى ان جاء الفتح العربي الاسلامي واصبحت دمشق الاموية لاول مرة مركزا لامبراطورية شاسعة وصلت الى الصين، الا انها كانت استثناءً عن قانون الجغرافيا، فلم تمكث اكثر من عدة عقود حيث انتقل المركز الامبراطوري الى العباسيين  في بغداد بعد هزيمة الامويين حيث وادي الرافدين ثم مرة اخرى انتقل الصراع على سوريا بين بغداد العباسية والقاهرة الفاطمية .

  لكي لانغوص اكثر من ذلك في التاريخ والجغرافيا فان التاريخ الحديث كشف عن نفس القانون في الخمسينات حيث كانت الوحدة مع مصر عبد الناصر هي المخرج لسوريا من الصراع  الدولي عليها كما فصل المؤرخ باتريك سيل احداثه في كتابه المشهور ( الصراع على سوريا ) والان ايضا يمارس هذا القانون فعاليته ولكن على نحو اكثر تراجيدية او مأساوية يشي باحتمالات تودي بالوطن نفسه انقساما او تشظيا او فشلا ( أي الدولة الفاشلة ) في احسن الاحوال !!

مما لاشك فيه ان الثورة انفجرت في ظل اسوأ ظروف ذاتية واقليمية ودولية تعرضت لها أي ثورة من ثورات الربيع العربي او حتى أي ثورة في العصر الحديث للدرجة التي نستطيع ان نقول انه حتى من يدعي صداقتها علنا كان ضدها ويتآمر عليها سرا فما بالك باعدائها من النظام وحلفائه داخلا وخارجا

ان نجاح ثورة شعبية ديمقراطية تعيد الاعتبار لحرية وكرامة الشعب والانسان العربي في سوريا، وتفتح له افاقا للتطور والنهوض والاستقلال، امر لايتفق ولا يناسب ولا ينسجم مع مصالح كل القوى والنظم الاقليمية والدولية على الاطلاق فضلا عن شبكة المصالح للطغمة المافيوية الحاكمة المحلية الامنية والعسكرية المرتبطة بها واذنابها من فئات رجال الاعمال والتجار ورجال الدين الطفيليين ( تحالف الجاه والمال ) كما يقول ابن خلدون ، مما دفع الجميع بدون استثناء للتكالب  لاجهاضها او تصفيتها مثل روسيا وايران عبر التحالف مع النظام من جهة، او عبر حرفها عن مسارها الثوري الوطني   لصالح توجهات طائفية انقسامية تهدد وحدة الثورة بل وحدة الوطن نفسه  كالغرب والخليج، الذين يزعمون انهم اصدقاء للثورة  مما جعل سوريا ككل ساحة تدخل في صراع طاحن بين جميع الاطراف المتنافسة والمتصارعة من اجل السيطرة والنفوذ، ولا نستطيع القول ان هناك أي مناصر او حليف صادق معها كثورة يريد لها النجاح !!

فعلى الرغم من التنافس والصراع بين هذه القوى جميعا الا انها جميعها التقت على هدف موضوعي مشترك، وهو اضعاف وانهاك سوريا بل تدميرها لان في ذلك يتحقق لكل من روسيا وايران المزيد من النفوذ والسيطرة والتحكم للدرجة التي نستطيع فيها القول ان الاسد ونظامه اصبحا الان تحت الانتداب الايراني والوصاية الروسية، وفي ذلك يتحقق ايضا لاسرائيل ما تريده بطبيعة الحال من الامن والامان والاستقرار لعدة عقود من الزمن فضلا عن نسيان قضية الجولان مع الزمن واكتسابها الحق التاريخي به وهو مايريده الغرب ايضا، ومن هنا نستطيع ان نفهم تواطؤ هذه القوى جميعا على اطالة امد الصراع وخصوصا القوى التي تزعم انها تدعم المعارضة عبر ترددها وتلكؤها في دعم قوى الثورة بالسلاح النوعي اللازم لحسم الصراع لصالحها .

لقد اصبح واضحا ان ايران وفقا لمقتضيات مشروعها كدولة اقليمية كبرى معترف بها، لاتريد للشرق العربي ان تقوم له قيامة مما يحول دون تحقيق مشروعها الامبراطوري في الوصول الى شواطىء المتوسط، فتحت شعارات المقاومة والممانعة وعبر استثمار التشيع العربي وعواطفه ومخياله التاريخي، اخترقت المنطقة  وأسست لنفسها مواقع نفوذ وهيمنه مثل حزب الله ونظام الاسد الذي استسلم بالكامل للمشروع الايراني للحفاظ على نظامه ومصالح طائفته الحامية له، ثم استكملت مشروعها بالتواطؤ مع امريكا عبر حلفائها او ادواتها من احزاب التشيع العراقي في القضاء على الدولة العراقية بالكامل والحاق العراق كله كمنطقة نفوذ تابعة لها، لذلك فكما كان تدمير العراق ضرورة استراتيجية لها ولاسرائيل ولامريكا ، فان تدمير سوريا يأتي في نفس السياق ولنفس الاهداف الايرانية والصهيونية والامريكية بالطبع، ومن هنا ندرك ان ايران لاتدافع عن النظام وحسب، بل لها مصلحة في تدميرسوريا نفسها واضعافها لتكون اكثر ارتهانا وانصياعا لرغباتها ومقتضيات مشروعها العام

القلق الخليجي السني الوهابي من التوسع الايراني مفهوم وطبيعي وكانت الثورة فرصه تاريخية لكسر هذا التوسع ولجمه ورده فاندفع الخليجيون لاستغلالها واستثمارها لصالح اهدافهم هم وليس لصالح اهداف الثورة نفسها في تشييد الدولة الديمقراطية الثورية .. دولة الحرية والمواطنة، لان هذه الاهداف لاتتفق اطلاقا مع ثقافتهم ومصالحهم وانظمة حكمهم التقليدية الملكية المتخلفه مما تشكل خطر حقيقي على اسس ومرتكزات كياناتهم ووجودهم نفسه أي ان هذه الثورة فيما لو قيض لها الانتصار فانها ستقدم النموذج الذي سينسف شرعية دولهم ومبررات وجودها، لذلك اندفعت دول الخليج لتحقيق هدفين بنفس الوقت :

1-الهدف الاول حرفها للثورة عن اهدافها ومضمونها الثوري الشعبي المدني الى حركة دينية بل طائفية المحتوى لاسقاط النظام وقيام دولة سنية خليجية النكهة والتوجهات

2-الهدف الثاني : التحكم في القوى الفاعلة سياسيا عبر الائتلاف وعسكريا عبر مايسمى الجيش الحر وتشكيلاته من خلال المال السياسي والتحكم بتوريد السلاح وتكريس الانقسام بينها لسهولة السيطرة

أي باختصار العمل على اجهاض الثورة وحرفها الى مجرد انتقام طائفي مسلح لاسقاط النظام مماادى الى اضعاف الاندفاعة الشعبية الثورية وتراجعها وانصراف اغلبية الاقليات عن الانخراط بها فضلا عن القوى المدنية الاخرى حتى السنية منها وخصوصا الفئات المدينية منها التجارية والصناعية والطبقات المدينية الوسطى .. واصبحت محصورة بشكل رئيس في الارياف الاكثر تقبلا للشعارات الدينية او الطائفية

هذه السياسة الخليجية اضعفت الثورة بل اجهضتها وساعدت في تقوية النظام داخليا نظرا لتحييد الاقليات والقوى المدينية الاخرى وهوما يتفق مع المشروع الامريكي والصهيوني وحتى الايراني وايضا التركي ويتفق مع رغبات كل النظم العربية في ايقاف موجة الربيع العربي بشكل نهائي في سوريا

لقد نجح الخليج ومن وراءه في احهاض الثورة من خلال عسكرتها واختراقها والتحكم بها وحرفها الى مجرد حرب اهلية طائفية بين سنة وعلوية وهو مالم تنجح به أي جهة اخرى .. وتقاطعت مصالح الجميع على تصفية الثورة .. وتقاطعت مصالح الجميع على تحويل سوريا ساحة صراع لانهاكها وتدميرها .. وتقاطعت مصالح الجميع على اطلاق صراع طائفي سني – شيعي مدمر .. وتقاطعت مصالح الجميع على منع قيام شرق عربي ناهض قاعدته سوريا يقف حائلا امام مشاريعهم الامبراطورية في المنطقة

علِّق