نشرت في .November 06, 2015

أن يتناول أحدهم الآيس كريم بنكهة الثوم والكزبرة فهذا تصرف غريب يستدعي  التدخل والاستنكار!

وأن تستمع صباحاً إلى أم كلثوم، فأنت شخص غريب الأطوار، ويحق لمن حولك اغلاق مسجلك وإدارة مزاجك الغنائي.

أن تمشي في الطرقات خالعاً نعلك فإنك مجنون في مقاييس من حولك .

أما أن يتزوج شاب وسيم وغني  بفتاة ليست فاتنة شقراء باهرة،  فهذا بلا شك يستدعي  جلسات نسائية طارئة صباحاً واعتراضات عائلية مساءً، ونقاشات تستمر حتى الطلاق أو الموت!

 

كل تلك المواقف وأكتر نستنكرها رغم أنها لا تعود بالأذية على أيًّ منا، وتندرج تحت ذوق خاص لا يتناسب مع الذوق العام، لكننا بالمقابل نتقبل ونحترم عقد قران باطل بين كلمتي جريمة و شرف .. ليغدوا ما يسمى ( جريمة الشرف) أمراً طبيعياً لا يثير الاستغراب، خصوصاً عندما يأتي  القانون الذي يعاني من غيبوبة ويدعم هذا الجريمة بحالات عذر وتخفيف.!

مصيبة الجريمة المرتكبة باسم الشرف ليست جديدة، نعرفها ونسمع الكثير عن ضحاياها على مدى سنوات، ولم تكن آخرها الضحية السورية التي كانت تعيش  في ألمانيا كلاجئة بعد هروبها من ذكريات المعتقل الذي اغتصبت فيه في سوريا، لكن قرارها بأن تبدأ من جديد متناسية ألمها الشخصي جداً  لم يحظَ بموافقة عائلتها، فأرسلت شقيقها من خلفها ليتعقّبها ويضع سكينه في رقبتها ثأراً لشرف العائلة!

تداعيات هذه الجرائم وخطورتها، أقلق بعض السوريات العاملات في دهاليز الحقوق والإنسان والمرأة، فقلقن حسب طريقة بان كيمون ستايل،وابتسمن للصورة التي التقطت في ختام المؤتمرات المناهضة للعنف ضد المرأة، مطالبات بمساواتها بالرجل في كل شيء!

والمساواة هنا يا سادة تعني أن يسمح للمرأة بممارسة القتل أيضاً، لتغدوا الحياة جميلة ونحن نسبح بدماء بعضنا رجالاً ونساءً، دماء قرمزية بنكهة الشرف المتساوي في الحقوق والواجبات..!!

 

وهذا التناقض لم يكن الأول في  تركبية ما يسمى  جرائم الشرف، فبمجرد الحديث عنها  تجد نفسك لاهثاً منقطع النفس بين خانات الكلمات المتقاطعة، والتي تضم كلمات من كل حدب وصوب لا يجمعها إلا تلك الخانات وحرف أبجدي لا ذنب له سوى أنك تحتاجه لتكمل الحزورة و تستمتع باختبار نبهاتك.

أنت تتحدث عن جريمة ضحيتها هي أنثى فقدت عذريتها حتى لو كان بعملية اغتصاب،  وهنا لا يحق للضحية أن تثأر لانتهاك جسدها غصباً عنها، فالمجتمع لا يسمح لها بأكثر من أن تخفض رأسها وتتوارى في انتظار (فحل) العائلة ليأتي فيقرر مصيرها ويأخذ (دوش )الشرف بدمائها التي سالت سلفاً وبألم.

 

من الملفت أنه مع بداية الاعتقالات خلال الثورة في سوريا زاد عديد هذا النوع من الجرائم، وإلى اليوم ما زالت بعض النساء اللواتي خرجن من المعتقلات يعشن الاعتقال الاجتماعي، إلى حين تقوم عائلاتهن بعرضهن على طبيب شرعي.  وهناك زوجات خرجن من المعتقلات  إلى مصير الطلاق  والحرمان من رؤية أطفالهن دون أن يكلّف الزوج نفسه عناء مداراة ألم (مطلّقته) وهي تتمزق نفسياً وجسدياً، ليس لذنب ارتكيته، بل فقط لأنها أنثى يمكن للرجل أن (يُعلّم عليها...!!)، فيما أخريات استسلمن  لمصير (بستر عليها) الذي تبادلته (شوارب) هذا المجتمع الذكوري!

لذا لم يكن مستغرباً عند تحرير بعض السجون أن يبتسم السجناء الأحرار  للكاميرا ويلوحوا لها، فهم أبطال في نظر مجتمعهم، بينما تخاف السجينات أن يُعرفن، فيغطين وجوههن من ذات الكاميرا  و هرباً من ذات المجتمع !!

 

هذا المجتمع الذي  يرقص ويتمايل على أغنية (أنت معلم) التي تضم كلمات متناقضة لا تشبه بعضها البعض لترسم لنا  ملامح (معلم) ونحن (منه نتعلم) فهو  (معلم باختصاص مجهول) لكنه يملك موهبة (نظرة الإشارة يعرف نبض الحرارة!!) لذا يستحق طيارة .

ذات المجتمع يتمايل ويهلل لملامح بطل مجرم، غسل بالدم عار الضحية، لترقص الأم، ويصفق والأب لأخ قتل أخته، فكانت جريمة شرف منها نتعلم، وما نرضى نتكلم.

 

 

علِّق