نشرت في .April 06, 2016

 

* حافظ قرقوط


في مقابلة مع الصحافي تمام حازم لراديو حارة الذي يبث في محافظة حلب السورية، يعرف الدكتور قدري جميل عن نفسه كمعارض مزمن، يعتبر اقتراحه مع علي حيدر الذي يرأس الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير لتأسيس حكومة وحدة وطنية مع النظام أنه خطوة جريئة، بينما ينكر على الثوار كل شجاعتهم بثورتهم وتحديهم لآلة النظام القمعية بكل أصنافها، ليهاجم المعارضة ويعتبرها في صف واحد مع النظام.

هكذا إذاً على السوريين أن يغضوا النظر عن شهدائهم وحصار مدنهم وعذابات السجون وحمم البراميل، ليصغوا إلى الجنس الثالث القادم من عالم الغيب كمعارضة مزمنة، نعم لدينا بعض معارضة مزمنة في كل شيء، بالتسويف والتحليل واللعب بالسياسة كما اللعب بالبورصة، مزمنة حتى في تعاليها عن جراح أهلها وناسها وجيرانها وآمالهم، ومزمنة في غيابها عن الواقع، وقد عاشت في ثنايا آلام السوريين كما الأسد تماما كتلك الأمراض المزمنة.

 

هذا لا يعني أن في الطرف المعارض المتبقي الذي يفاوض الآن، أو قاد سياسيا تمثيل السوريين خلال سنوات الثورة أنه يملك مقومات الثائر، أو أنه محصن من الأمراض المزمنة تلك،فمن يرى على الأقل ما نتج من مجتمع سياسي ومنظمات مدنية في غازي عنتاب التركية لوحدها يدرك أمراضنا المزمنة كلها، إنما ما قدمه السياسي قدري جميل من بعض الطروحات تستدعي التوقف عندها، فهو اعتبر في هذه المقابلة أن الروس هم الصادقون وأن الأميركان بدأت مواقفهم تقترب من الروس الذين يدافعون عن السوريين، فتلك المشافي التي قصفها الطيران الروسي والتي غيبها السيد جميل عن باله، لربما أتت ضمن مخطط حضاري روسي نجهله نحن القابعين في زوايا التأمل أيضا كنقاقين مزمنين في دولة البعث وجبهتها الوطنية التقدمية، وصداقتها الروسية التي في محصلتها لن تجد قطعة تكنولوجيا واحدة في بيت سوري لو كان حتى هاتفاً، بل تجد بضعة ضباط روس يبحثون عن لتر فودكا في سوق السومرية للتهريب الرخيص أو غيره.

فنظامه الذي كان يستخدم كلمة الحسم فيما كانت المعارضة تستعمل جملة إسقاط النظام، فضاعت البلد لعدم الإصغاء لمقترح حكومة الوحدة الوطنية، موقف موضوعي للمعارضة التي يمثلها. وفي سؤال له عن رحيل رأس النظام، اعتبر جميل أن موقفهم هو تغيير النظام ليس كما جرى في مصر وتونس بذهاب الرئيس وعودة النظام، وبهذا معه حق، ولكن أن يعتبر أنه عندما نصل إلى ذلك لا يهم من يحكم، وهنا نستشف أن جميل يبرئ الأسد من جرائم الحرب، ويعتبره سياسيا ربما يحكم، هكذا يفهم من الالتفاف على الجواب، الآن يريد أن يعلم السوريين بعد كل أولئك الشهداء كيف يتعاملون بنعومة مع الأسد، ترى هل سيأتي يوم يهاجم هؤلاء المعارضين دماء الشهداء؟.

 

فهنا لا يجب بحسب رأي السيد جميل تغيير أجهزة الأمن بضربة بلطة، بل بالنقاش للحفاظ عليها، الملفت في الموضوع أن هذا الجنس الثالث المزمن يفرق نفسه عن تلك المعارضة البائسة وذلك النظام القاتل ويأخذ روسيا معه لتمييزها عن ذلك الإجرام الواضح، لكن السؤال هل تلك الروسيا فتحت بابا واحدا للاجئ سوري واحد غير السيد قدري؟ هذا إذا اعتبرنا أن تدخل الجيش الروسي في سوريا هو محبة بالسوريين، جميل هنا يريد إعادة هيكلة الأمن، ويرى الجيش السوري هو عماد الاستقلال والمشكلة ليست فيه.

يفرق الدكتور قدري جميل بين اليسار ويعتبرأنه ليس كل يسار يساراً وهنا من خلال إجابته على سؤال عن التردي بموقف اليسار ليعتبر نفسه يساريا يدافع عن حق الناس، لكن وردا على سؤال هام للصحافي تمام حازم عن البشرى التي يريد نقلها للشعب السوري، نجد الدكتور قدري متفائلا بالتغيير السياسي وبوجود حكومة انتقالية في سوريا وأظن هذا هو الأهم في كل تلك المقابلة مع راديو حارة، وهو يعتبر أن كلمة مستشارين في الوفد االتفاوضي كذبة كبرى، أي يريد التعبير عن أن وجودهم في وفد جنيف ليس استشارييين بل أصيلين، وهم وفد كامل يفاوض ديميستورا كما وفد المعارضة، لكن السيد قدري لا يمتلك الجزيرة والعربية التي يمتلكها وفد المعارضة، كذلك للنظام أقنيته الإعلامية، لكن الأقنية المصرية والروسية لا تدعم السيد جميل ومجموعته كما يجب.

 

وأفضل ما قاله الدكتور جميل في تلك المقابلة عندما أنهاها بأننا محكومون بالأمل أي محكومون بالانتصار، ونحن نقول له نعم السوريون محكومون بالانتصار مهما طال الزمن، فالقاتل يبقى قاتلا لاتلمعه جولات التفاوض، والثائر يبقى ثائرا وله موقفه وسوريا تستحق الأفضل، وندرك أنه لولا هذه الثورة وتلك الدماء الزكية لما أجبر العالم على الاجتماع هناك في جنيف للبحث عن حل يلتف على الانتصار، وندرك أيضاً أنه لولا تلك الأصوات والحناجر الشجاعة لكان البعض يهتف الآن للأسد على مداخل ما كان يسمى مجلس شعب أو وزارات أو جبهة وطنية.

إنها ثورة السوريين التي كانت الضربة القاصمة لكل الإيديوليجيات البائدة يسارا ويمينا.

-------------------------

رابط الفيديو موضوع المادة (اضغط هنا) 

 

علِّق