نشرت في .August 08, 2015

تفضل الأخ والأستاذ الكريم  حسين جلبي مشكوراً بنشر الحلقة الثانية من ملف القضية الكردية عبر منبر "السوري الجديد"، والذي يسلط الضوء من خلاله على جانب من معاناة الأخوة الأكراد السوريين.
حيث ابتدأ مقاله بمقدمة أشار فيها إلى عدم نيته اثقال المواد التي سينشرها بالمصادر، وأنها تعبر عن رأيه الذي يحتمل الصحة والصواب، لكن برأيي هذا لا يمنع مستقبلاً من محاولة تعزيز المعلومات التي تحتاج لمصادر من ذكرها أو على أقل تقدير أعطاء معطيات وأرقام قوانين وتواريخ وإشارات مرجعية بسيطة.
أسجل بأنني أتفق مع معظم ما جاء في الحلقة الثانية من مظالم ومعاناة مسّت الأخوة الأكراد بالخطوط العريضة لتلك المعاناة، وأشير إلى أن جزءاً كبيراً من تلك المعاناة كان يمسّ الشعب السوري بكل مكوناته أيضاً. وسنّ بعض القوانين قُصد من وراءها الأكراد وخاصة أكراد الأطراف " الجزيرة" بشكل خاص دون غيرهم من أكراد الداخل المندمجين منذ زمن بعيد في المجتمع السوري، وربما يصح القول بأنهم استعربوا تماماً مع تعايش يصل إلى قرون في المجتمع الدمشقي..
وهنا لا بد من توضيح بعض النقاط  والمظالم التي جاءت في المقال والتي لاحظتُ فيها مبالغة شديدة لأحداث وقعت بالفعل، ويستطيع القارئ السوري إجراء محاكمة عقلية في ضوء ما سأطرحه أدناه، وقد  يستطيع من خلاله استشفاف ما يراه أقرب للواقع بعيداً عن أية عواطف يحتمل أن تؤثر في سياق عرض بعض الأحداث التاريخية ذات الصبغة السياسية.

 

أكراد لا يمثلون الأكراد..!!
تحت عنوان " الأكراد ديكور بالسلطة" : لفت انتباهي نقطتان، الأولى حديث الكاتب بأن الأكراد "الذين تولوا السلطة بعد الاستقلال أو الوزراء والموظفون الكبار الذين تم ضمّهم لتشكيلات وزارية لم يكونوا يمثلون إلا انفسهم او مصالح الفئة التي دفعت بهم إلى تقلّد هذه الوظيفة أو تلك، إذ لم يتم الاعتراف بالكُرد في الدساتير و القوانين السورية حتى في عهود الرؤساء الكُرد، و لم يتم تشريع قوانين تمنحهم حقوقاً بسيطة مثل التعلم بلغتهم الأم حتى خلال وجود ثلاثة من قادة الأحزاب الكُردية أعضاءً في البرلمان السوري إبان حكم حافظ الأسد، بل على العكس من ذلك، لم يمنحهم وجودهم في مناصب هامة حصانةً تحول دون اتخاذ إجراءات عنصرية بحقهم هم أنفسهم."
والحقيقة أن هذه العبارة فيها إتهام مبطن للأكراد الذين تولوا مناصب مهمة في الدولة بما فيها رئاسة وكذلك المتقلدين لمناصب وزارية (قبل عهد البعث) في فترة كانت تعتبر المرحلة الذهبية لعهد الديمقراطيات في سورية، وكون أولئك الأكراد ومعظمهم من أكراد "الدواخل" أي من ابناء دمشق وحلب والداخل السوري لم ينادوا بمشروع قومي مستقل كأكراد الأطراف "الجزيرة " والتي ظهرت أولى بوادره سنة 1957م، فهذا لا يعني أنهم لم يكونوا يمثلون أحداً، بل كان اولئك يتحدثون باسم جميع السوريين، ولولا ذلك لما وصلوا إلى الوظائف الكبرى والرتب العالية التي مهدت لهم لاحقاً تبّوء مناصب رفيعة في الدولة، لك أن تأخذ على سبيل المثال "ابراهيم هنانو" الذي اختارته الكتلة الوطنية لترأس اللجنة الدستورية التي أقرت الدستور الأول للجمهورية السورية سنة 1928، ويعتبر هنانو مهندس الدستور المدني السوري الذي كان يحاول التعبير عن السوريين وهويتهم وحقوقهم آنذاك، فهو وإن كان من أصول كردية كما يحدثنا بذلك بعض الكتّاب الأكراد، إلا أنه كان رمزاً للنضال الوطني السوري ومن أبرز زعامات الحراك الوطني السوري بلا منازع، وهذا ما جعل السوريين يقدمونه ويمتثلون لزعامته بغض النظر عن أصوله الكردية.
وينطبق ذلك على العديد من الشخصيات ذات الأصول الكردية التي ربما لا يعرف معظم السوريين أصولها الكردية نتيجة لنهجها السوري الصرف البعيد عن مشروع قومي كردي، ومنهم محسن البرازي الذي تقلّد مناصب عديدة منها وزارة المعارف، ومساعداً للرئيس القوتلي، ورئاسة الوزراء السورية في عهد حسني الزعيم "الذي يُقال أنه هو الآخر من أصول كردية"،  ينطبق ذلك على وزير المعارف السوري محمد كرد علي الذي أسس أول مجمع للغة العربية في سورية، والذي لولا ذكره مسألة أصل جده الكردي الذي هاجر من السليمانية وأستقر في دمشق لما كان عرف أحد من السوريين أصوله تلك، وقد لعب دوراً أساسياً هو وشقيقه أحمد الذي أسس جريدة المقتبس وكانت المتنفس الوطني الأساسي للسوريين آنذاك.
كذلك لا ننسى الزعيم "فوزي سلو" الذي تنتهي أصوله للأكراد، و الذي أصدر بعض المراسيم التي لو أردنا استخدام ديباجة الأحزاب الكردية في وصفها لما وجدنا أقل من تلخيصها بـ "سياسة التعريب"، ومنها:
1  المرسوم رقم 179 الصادر بتاريخ 22/12/1952، والقاضي بتسمية قضاء جبل الأكراد (بقضاء عفرين)، وقضاء وادي العجم ( بقضاء قطنا)، قضاء الجولان (بقضاء القنيطرة)، إضافة إلى تسمية محافظة الجزيرة (بمحافظة الحسكة) والتي أصبحت بالأدبيات الكردية اليوم "مناطق كردية وكردستان الغربية"، ومحافظة الفرات ( بمحافظة دير الزور)  ومحافظة حوران (بمحافظة درعا) .
2  المرسوم 139 بتاريخ 6 / 11/1952م والقاضي بمنع إطلاق الأسماء الأعجمية على المحال العامة والخاصة من نوادي وفنادق ومطاعم وحوانيت بأسماء (غير عربية)، وبرر ذلك في نص المرسوم بأن اللغة الرسمية للبلاد هي اللغة العربية، واستخدام لغة اخرى يعتبر انتقاصاً من هذه اللغة واستهتاراً بهذه البلاد ( على حد تعبيره) .
3  المرسوم رقم 175 بتاريخ 17/3/1952 الخاص بقانون فتح المدارس الخاصة، والذي اشترط فيها جملة من المواد كلها تصب في التقيد باللغة العربية وعدم تجاوز اللغات الاجنبية "الحية" الاربع حصص من مجموع الحصص الاسبوعية وغيرها من القوانين في إطار ما تصدره معظم دول العالم المتحضر اليوم في إطار سعيها لحفاظ هوية الدولة ولغتها وتاريخها.
ومع ذلك أقول أنه كان لابد من إدراج قوانين تسمح بفتح مدارس خاصة ومراكز ثقافية تخصص لها ميزانية من الدولة  لتدريس اللغة الكردية في المدن والمناطق التي يشكل فيها الأكراد كثافة سكانية كما جرى مع السريان والأرمن في القامشلي التي خُصص لهما مدرستان تدرس فيهما حصص للغة السريانية.

 

الاحصاء الاعتباطي
أما فيما يتعلق بما ذكره الكاتب حول "الإحصاء الاعتباطي" سنة 1962، فهو بالفعل حرم عشرات الآلاف من أبناء محافظة الحسكة ومعظمهم من الأكراد من الجنسية بموجب هذا المرسوم (ولم تمنح لهم الجنسية إلا في بداية الثورة السورية سنة 2011 وبفضلها تحديداً)، وقد حرم هؤلاء الذين تم تقييدهم كأجانب ومنحهم بطاقات خاصة بذلك من العديد من الحقوق كحق الحصول على وثيقة سفر خارج القطر والتوظيف الحكومي والتملك بأسماءهم، ومصدر دخلهم الوحيد كان إما من الزراعة أو العمل بالقطاع الخاص أو التجارة. ويجب الإشارة إلى نقاط هامة حول مجريات إصدار هذا المرسوم ودوافعه من وجهة نظر حكومة العظمة:
 1  لاحظت الحكومة السورية ارتفاعاً غير مسبوق بأعداد سكان الجزيرة بين فترتي الاستقلال والجلاء، وتحديداً بين عامي(1943-1946) إذ إن عدد السكان في الجزيرة ارتفع من 105513 نسمة سنة 1937 إلى 146001 سنة 1943، بمعدل نمو مرتفع قدره 5.6% سنوياً، اتبعت الحكومات السورية بعد الاستقلال حتى منتصف الخمسينات سياسة تقييدية بالنسبة للمهاجرين الاكراد لمخاوف اثنية –سياسية، ولمعاناة الجيش السوري من كثرة الملتحقين به الذين يخدمون بأسماء وهمية ليخفوا جنسيتهم التركية، ولتصاعد مخاوف النظم العسكرية التي قامت في سورية 1949-1954 ولا سيما في فترة الشيشكلي من العلاقات الكردية السوفياتية .
السياسات التقييدية لمبكرة بين عامي 1943-1946 والتي يقصد بها تقييد المهاجرين مع أكبر موجة للمهاجرين الأكراد على سورية بين عامي 1945-1962،  والحيلولة دون حصولهم على الجنسية قبل مضي 5 سنوات على أقامتهم ثم اصبحت 10 سنوات،  الأمر الذي دفع  لنشوء ظاهرة الهواية المزورة للتحايل على سياسات التقييد المشددة هذه، وهو ما دفع بالنتيجة بنمو سكاني سريع في الجزيرة ارتفع من 162145 نسمة سنة 1952 إلى 293140 نسمي سنة 1959 بمعدل نمو بلغ 6.3% سنوياً وهو الاعلى على مستوى العالم!، في حين كان معدل النمو العام  آنذاك يبلغ 3.7% سنوياً فقط .
 2  استكمالاً للاجراءات السابقة قامت الحكومة السورية في 5 تشرين الاول سنة 1962 بإصدار قانون الاحصاء الخاص بمحافظة الحسكة، والقاضي بانهاء سجلات الاحوال المدنية لجميع سكانها ( عرباً واكراداً وسرياناً وارمناً وتركماناً آشوراً..الخ) وإجراء إحصاء جديد لسكان المحافظة سوريين و "أجانب"، واعتبار السوري من كان مسجلاً في قيود الأحوال المدنية قبل عام 1945م، وبالتالي أعتبر المهاجرون المقيدون رسمياً قبل عام 1945 سوريين ( يشمل ذلك الأكراد الذين هاجروا إلى سورية قبل مرحلة الاستقلال)، وحددت الحكومة عام 1945 باعتباره العام الاساسي الذي حدثت فيه موجات هجرات كبيرة حاز افرادها على هوية مزورة بمساعدة اقربائهم وعشائرهم السوريين. وقد امهلت الحكومة ابناء المحافظة شهراً كاملاً لإثبات قيودهم قبل عام 1945، وكانت لجنة الاحصاء تقبل بتعريف من المختار وشهادة شخصين، وهنا تجدر الإشارة إلى أن طمع بعض رؤوساء العشائر الكردية قد أقنع بعض الأكراد بعدم تأكيد وجودهم في سورية قبل عام 1945 لكي لا يخدم ابناؤهم الخدمة العسكرية، وكان ذلك ينطلي على الناس في تلك المراحل التي كانت نسبة الأمية فيها تتجاوز سقف 95% من أرباب الأسر.
 3   حدثت اثناء الاحصاء عمليات تجاوزت القوانين التي تم تحديدها، ومنها تجريد اللواء ورئيس الاركان توفيق نظام الدين وشقيقه عبد الباقي نظام الدين من جنسيتهم قبل إعادتها لهم لاحقاً، مما جعل الإحصاء يفتقد المصداقية الحقيقية. إذ إنهم تركوا تركيا واستقروا في سورية منذ بداية استقرار الفرنسيين في الجزيرة، اي منذ عام 1925.

قضية تملّك أراضي الأكراد
  تناول الكاتب في فصل "الأكراد بعد حكم البعث" مسألة وضع الدولة يدها على اراضي الاكراد الزراعية المحاذية للشريط الحدودي سنة 1965، والحقيقة بأن إختزال مشروع وضع اليد على الأراضي الزراعية سنة 1965 لتنفيذ قانون الإصلاح الزراعي فيه تجنٍ ومغالطة، إذ أن وضع اليد على الأراضي تمهيداً لتوزيعها شمل جميع أراضي محافظة الحسكة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، والأراضي التي يتحدث عنها الكاتب لا تمثل سوى 20% من أراضي المحافظة التي تم تجريدها من الملاك العرب بالمقابل، وقانون الإصلاح الزراعي هذا طبقه نظام البعث بشكل مزرٍ ولم يتم تنفيذ البنود التي تحفظ للمالك الأساسي كرامته وإعطاءه الحصة التي نص عليها القانون ولا تعويضه عن متوسط انتاج عشر سنوات كما يحدد القانون، وبالفعل الفائض من عملية التوزيع على الفلاحين تم تسجيله تحت اسم أملاك الدولة، قسم منه تم منحه للمكننة الزراعية لاستثماره، وقسم منه استثمره بعض رجالات الدولة (كما تفضل وذكرالاستاذ حسين) ومنهم الزعبي الذي استثمر جانباً مهماً من الاراضي الخصبة على دجلة بالتعاون مع بعض سماسرته. أضف إلى ذلك منح قسم من تلك الاراضي (أملاك الدولة)  في سنة 1974م إلى بعض المغمورين الذين تم إنشاء 39 قرية لهم بمحاذاة الحدود التركية ( بإجراء دوافعه الأكبر سياسية بدون شك) حيث يشكل الأكراد اغلبية في معظم مناطق الشريط الحدودي (25 ألف منهم على الاقل مسجلين كأجانب) إضافة أيضاً إلى وجود لعرب المنطقة الأصليين في مناطق حدودية  كرأس العين والقامشلي  وقرى السريان، وكذلك في منطقة ديريك وقبور البيض . وهذا يقترب إلى حد كبير من مقترح الهلال بإسكان الشريط الحدودي بعناصر عربية، غير أن عدم تهجير الاكراد من تلك المناطق وعدم حرمانهم ايضاً من حصصهم بالاراضي الزراعية هناك يجعلنا نقول بأن ما حدث مختلف عن مشروع الحزام العربي الذي اقترحه الهلال. دعونا نقول بأن هناك مبالغة في تصوير الامر على أنه تطبيق خطة محمد طلب الهلال بالحزام العربي. 

موضوع الأحزاب الكردية
لا يخفى على أحد العلاقات الوطيدة التي ربطت اجهزة المخابرات بالأحزاب الكردية المختلفة، لدرجة أن الاحزاب الكردية انفردت بحصولها على مقرات غير معلنة في مدينة القامشلي، باستثناء الشخصيات التي رفضت التعاون مع النظام السوري ودفعت ضريبة السجن السياسي كالمناضل المرحوم محمد نذير مصطفى ومشعل تمو وآخرين.  وبقي اعتقال الناشطين الاكراد خارج إطار الاحزاب السياسية مستمراً بدون شك، وهذه الممارسات -كما لا يخفى على أحد- كانت تتم بحق جميع السوريين جميعاً ولعل سجون تدمر وصيدنايا دليل واضح على أن القبضة الحديدية للنظام السوري لم تكن تفرق بظلمها وقهرها بين مكون وآخر، ولا يزال مئات من أبناء محافظة الحسكة من العرب مغيبين حتى يومنا هذا بتهمة الصدامية والبعث اليميني.


أحداث 2004
تعتبر احداث 2004 حالة استثنائية يجب التوقف عندها، إذ لا يمكن إلا ان نصف بأن خروج الاكراد الشعبي آنذاك بغض النظر عن المسببات هو شجاعة لا نظير لها، وهو بالطبع أبعد ما يكون عن أحداث شغب كما وصفها النظام، إنما تعبر عن حالة احتقان شعبي، وشعور قومي متصاعد، ساهم فيه إلى حد كبير الغزو الأمريكي للعراق وتحالف أكراد العراق مع هذا الغزو وحصولهم على بعض الاستقلال، الأمر الذي أشعل مشاعر الأكراد السوريين الذين يتخذون من القيادة الكردية في العراق نموذجاً للإحتذاء، فضلاً عن اعتبار معظمهم للقيادة البرزانية قيادة تمثلهم كما تمثل معظم الأكراد في العالم بشكل فعلي.
ويتضح ذلك من الرايات المرفوعة " العلم الكردي" أو الشعارات التي أطلقت هنا وهناك كالهتاف بحياة جورج بوش الذي أطلق عليه لقب " بافي آزاد" ومعناه بالعربية " أبو الحرية" ورفع البعض العلم الأمريكي، وتوقع البعض بأن قوات التحالف الأمريكي ستتدخل في سورية مما يجعلهم يحصلون على وضع شبيه بوضع أكراد العراق.  والحقيقة بأن هذا الإندفاع لم يراعِ مشاعر السوريين الذين كانوا جميعهم صفاً واحداً ضد الغزو الأمريكي للعراق، ويلعنون بوش صباح مساء ويلعنون معه جميع الدول العربية وغير العربية والأطراف التي ساعدت على غزو العراق، ولا ننسى بأن صورة أكراد العراق كجزء من العملية أيضاً كانت حاضرة في الأذهان آنذاك . هكذا كانت مشاعر السوريين حينها، ولم تكن هذه المشاعر تحتاج لمن يؤججها بالخروج بمظاهرات (لم ترفع شعاراً ضد النظام)، بل كانت شعارات ورايات ذات طابع قومي، مما ولد استياءاً لدى المكونات الأخرى من عرب وغيرهم. رافقها عمليات حرق لبعض المدارس والمرافق العامة، مع اعتداءات في وسط السوق على بعض المارة الذين يضعون الحطة والعقال ( الزي العربي) ومنهم رجل كردي من منطقة الاشيتية توهم المعتدون أنه عربي فأوسوعوه ضرباً.
طبعا استغل النظام الاسدي هذه المشاعر دون تأخير،فلم يتوانَ عن استخدام الرصاص الحي لتفريق الجموع، ودفع ببعض الشباب الغاضبين من هذه التصرفات ومعظمهم من الغوغاء والبسطاء إلى الهجوم برفقة الأمن على محال تجارية في القامشلي كان المتضرر الأكبر منها الأكراد، ولم تسلم محلات لغير الأكراد من ذلك، وحدثت عمليات نهب وتكسير لتلك المحال للأسف، ولكن لم تسجل حالات مماثلة على بيوت المدنيين الأكراد وفق ما أعلم، ولم يتم ذكر ذلك خلال السنوات الماضية وأسجل أنني أول مرة أقرأ من خلال مقال الأخ حسين بأنه تم نهب منازل أكراد، لكن بالمحصلة سقط أثر ذلك نحو 13 من الاخوة الاكراد، الأمر الذي شكل بدون شك جرحاً يضاف لجراح السوريين.

جدير بالذكر أن بعض الشخصيات الكردية والاجتماعية تبرأت من اعمال الاعتداءات على المرافق العامة التي حدثت على يد المنتفضين آنذاك، واعتبر السيد شيرين سليمان حاجو بأن هذه العمليات تخريبية، فيما ادانت الاحزاب الكردية ما حدث من أعمال حرق لمستودعات للحبوب والاعلاف والدوائر .
  بين الانتفاضة الكردية والثورة السورية

أسماء المواليد الكردية

ذكر الاخ حسين بعض الاجراءات المشددة ضد الاكراد من حيث منع تسمية المواليد بالاسماء الكردية وغيرها وخاصة بين عامي 2004-2011، وللأمانة التاريخية اقول بأن هذا الكلام ليس دقيقاً وليس صحيحاً، وبنفس الوقت لا ينفي حدوث بعض حالات المضايقات في حالات استثنائية، ولو أننا اليوم نظرنا للأسماء الكردية في القامشلي قبل السبعينات وقارنها بالأسماء بعد السبعينات إلى يومنا هذا، فسنجد شيئاً غريباً يناقض ما تفضل به الأستاذ حسين، فالأسماء قبل مجيئ حزب البعث كانت كلها تحمل صبغة اسلامية عربية ( حسين، ابراهيم، محمد، محي الدين، مشعل، نذير، مصطفى ..الخ)، بينما وبعد ظهور الاحزاب القومية الكردية وتصاعد المشاعر القومية الكردية نجد أن جميع الاسماء اليوم كردية (إلا ما ندر)، فأصدقائي مثلاً من مواليد الثمانينيات ( باهوز، ريزان، جوان، آلان، آزاد، خوشناف، دارا، شيرين، دلوفان، هجار، قهرمان ..الخ)، فإذا كان النظام يقر منع الأسماء الكردية، فكيف نفسر بأن أكثر من 90% من أسماء أطفال أكراد منطقة الجزيرة دون سنة 15 سنة هي اسماء مغرقة في الكردية ؟
أما موضوع تعريب القرى فقد ذكرنا أن موضوع التعريب او تسمية الأسماء باللغة العربية بدأت منذ الخمسينات، لذلك على سبيل المثال نجد قراراً صاداًر عن صبري العسلي سنة 1957 يقضي بإعادة تسمية 57 قرية في قضاء دجلة ( المالكية لاحقاً) بتسميات جديدة تعريباً للتسميات غير العربية أو العربية المحكية مثل (ريحانيك اصبحت الريحانية، قديريك أصبحت القادرية)، كما لا يخفى أن هذه التسميات شملت معظم القرى العربية في حوران ودير الزور والحسكة ايضاً، ولكم تعرفوا بأنني أعيش بقرية الزرقاء قرب اليرموك غير بعيد عن رام الله و فلسطين والقيروان والطائف والاندلس وغرناطة والخنساء والزهراء وتيماء والفسطاط وعكاظ  وآمية واللد وسليمة وقضاعة وخزاعة وكنانة وسفانة ...الخ وكلها قرى عربية وسكانها من عشائر عربية في المحافظة من شمر وشرابيين وطيء وراشد.


ملاحظات أخرى
موضوع آخر مهم تطرق إليه الأستاذ حسين الجلبي، وهو القرار رقم 49 الذي صدر سنة 2008 والذي نص على "منع إجراء أي تصرف على عقار، بيعاً أو إستئجاراً أو رهناً، إذا كان واقعاً في المناطق الحدودية، حتى إذا كان ضمن مناطق مبنية، إلا بعد الحصول على الترخيص القانوني من ثلاث وزارات "
ويرتاب الكاتب من القانون ويقول : " ان يمكن إعتبار هذا المرسوم عملاً مشروعاً للدولة للحفاظ على أمنها قرب حدودها، و النظر إليه بحسن نية، لولا أنه اعتبر كامل محافظة الحسكة، بما فيها أبعد نقطة عن الحدود، و التي كانت تصل في بعض الأحيان إلى مئة كيلومتر منطقة حدودية"
والحقيقة بأن الكاتب نظر إلى الحدود من الجانب التركي فقط، ولم ينتبه إلى أن ابعد نقطة عن الحدود في محافظة الحسكة هي محاذية للحدود العراقية تماماً، ولا يخفى ان تلك المناطق لا يوجد فيها سوى القرى العربية ايضاً، وهي  مناطق حدودية ايضاً كما أشرنا، فمحافظة الحسكة تقع بين حدود العراق جنوباً إلى حدود تركيا شمالاً، وتأخذ في أقصى الشمال الشرقي شكل منقار البطة عند عين ديور نقطة ألتقاء الحدود السورية التركية العراقية.
وعلى أي حال القانون تم تطبيقه على جميع المناطق الحدودية في سورية بما فيها درعا، وتم إصدار تشريع مماثل يحمل الرقم /193/ لعام 1952، ثم مرسوم رقم /41/ سنة 2004 وقد سهل بعض اجراءات القانون السابق بمنح التراخيص من المحافظات، ثم جاء القانون /49/  سنة 2008 الذي سحب التراخيص من المحافظات وجعله محصوراً بوزارة الداخلية، ولا اعلم اذا كانت هناك وزارات أخرى يجب اخذ ترخيص ايضاً منها، وعلى أي حال هذه الاجراءات صعبت الاجراءات بالنسبة لسكان المناطق الحدودية في سورية جميعهم.

ختاماً ليسمح لي اخي الاستاذ والصديق الفاضل حسين أن أسجل مرة اخرى في هذا المقال سماعي ولأول مرة مصطلح جديد تفرد به وهو ما قال عنه  ببروز ظاهرة "أكراد الخيام" بعد ثلاث مواسم جفاف سبقت عام 2011، فموجة الجفاف كما يعلم الاستاذ حسين شملت محافظة الحسكة وأضرت بالجميع وبغالبية سكان المحافظة العرب بصورة أكبر، إذ تقع معظم أراضيهم خارج نطاق ( خط العشرة) المحاذي للحدود التركية ذو الكثافة الكردية والذي تكون فيه معدلات هطول الامطار الاعلى في المحافظة وأراضيها الأخصب، فتأثير الجفاف كان في مناطق العرب هو الأكبر، لكن هذا أنعكس بشكل مباشر على أصحاب المحال التجارية والحرف بدون شك والتي يشكل الأكراد في مدن مثل القامشلي وديريك النسبة الأعظم، وقد نتج عن أحوال الجفاف تلك  تقديم مساعدات إعانة " رمزية جداً" لأهالي المحافظة  بعد أن تفاقمت هجرة اهل المنطقة وبشكل خاص العرب الذين يعتمدون بشكل أكبر على الزراعة، فقصدوا مزارع البيوت البلاستيكية في  طرطوس ودرعا واللاذقية وقصدوا المزارع والمداجن في ريف دمشق.
 

التعليقات

كنت اتمنى من الكاتب حسين جلبي ان يعلق على هذا الرد .. فهو بحق رد موضوعي ولكن للاسف هو من وجهة نظر خاصة بالسلطة .. فهو يرد على احداث 2004 بانها ردة فعل للاحداث في العراق .. وتغافل عما فعله مشجعوا الفتوة من ترديد شعارات عنصرية تجاه الكرد وكيف هبوا وهجموا وساندتهم السلطة ..احي لهذا الكاتب العربي دفاعه ورأيه الذي يجاهد للدفاع عن العروبة والتاريخ الشوفيني للسلطات تجاه الكرد .. وهذا رأيه .. ولنا نحن تاريخنا المخبئ والمختفي والذي لا بد في يوم ان يظهر .. اشكرك حسين جلبي على ما تقدمه من معلومات ومقالات مفيدة ..
نسمع اتهامات اخواننا الاكراد لجميع اهالي دير الزور ، وبعضهم يتعمد الاساءة لهم بحجة انهم جمهور الفتوة . طبعاً هي حجة فقط للاساءة وتبرير مواقف سياسية لا علاقة لها بجمهور ولا باحداث ملعب ، جمهور الفتوة كان في ملعب القامشلي وعددهم بسيط ، تم استفزازهم بهتافات كردية عنصرية والهجوم عليهم فحاولوا الدفاع عن انفسهم ، فتم احراق سياراتهم وباصاتهم بشكل همجي ، ثم تم الهجوم على كثير من الدوائر والمدارس كما اوضح الاستاذ مهند ، ولا ندري ماعلاقة هذا بما حدث بالملعب بين جمهور الفتوة والجهاد ؟ ماعلاقة رفع علم امريكي وحرق علم سوريا ورفع شعارات عنصرية ؟ تحية للاخ مهند على هذا الرد الشافي ، واكيد من لا يجد رداً سيكيل لك الاتهامات تباعاً . تابع ولا تلتفت وراءك اخي الكريم.

علِّق