نشرت في .November 16, 2015

 

* حسان محمد محمود.

 

يمكن القول، وبقدر من التعميم، أن جدل قطبي ثنائية (العجز ـ الفشل) هو الإطار الحاكم لدينامية "فيينا".

السوريون، نظاماً ومعارضات، هم العاجزون، أما الفاشلون فهم مجمل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الصراع السوري.


العاجزون، دليل عجزهم هو معادلة "توازن الضعف" المهيمنة على الأطراف الداخليين للصراع، فالسوريون ـ على الضفتين ـ عاجزون عن حسمٍ عسكري يفضي لانتصار أو غلبة قوة سورية على أخرى، وبذات درجة العجز العسكرية هذه يبرز انعدام حيلة وقدرة ـ وربما رغبة عند البعض ـ على إنجاز حل سياسي وتوفير متطلباته البرامجية والتنظيمية ـ الهيكلية، هذا عدا عن الشلل الذي أصاب النوايا بمغادرة الاصطفافات الناشئة، ولو جزئياً.
أما الفاشلون فهم أمريكا أولاً، التي لم تبلور سياسة مناسبة تقلل تكاليف استراتيجيتها الانكفائية في المنطقة، وروسيا ثانياً، التي اعتمدت مضطرةً ـ بسبب فشلها وحلفائها ـ مقولة (لنتدخل ومن ثمّ نر ماذا يمكننا فعله).
تركيا أيضاً فشلت، فلم تتبن أمريكا رؤيتها، سواء للخطوط العامة للسياسة الواجب اعتمادها حيال سوريا أو لجوانب تعتبر تفصيلية في أية سياسة، فبدأ أكثر ما تخشاه يتهددها.
إيران والسعودية فشلتا كذلك، إذ لم تنجح أي منهما في فرض إرادتها المنفردة على الساحة السورية، وتوازن العجز عن الحسم هو التعبير الأوضح عن هذا الفشل.


هكذا، اجتمع الفاشلون في فيينا، كي يجدوا سبيلاً يخرجهم من حلقة مفرغة لفشل بدأت أثمان استمراره وتفاقمه بالارتفاع. أثمانٌ لم تعد قاصرة على المكانة الجيوسياسية لكل منهم، أو على نفوذهم ومصالحهم في سوريا، فطيف الأثمان "باقٍ ويتمدد" ليشمل ما يعتبر أساسياً وجوهرياً في داخل بلدان هذه "الدول الفاشلة".

طبيعيٌّ، ومكروه، أن لا يحضر "العاجزون" السوريون بدايةً، لأنهم عاجزون، ولو لم يكونوا كذلك ما احتاجت أزمتهم تدخل "الفاشلين". لكن هذا الغياب لا يعني البتة أن لا دور لهم، حدود هذا الدور، وتوقيته، رهن اتفاقات "الفاشلين" وأولوياتهم، وهذا برغم أنه مؤلم ويدعو للأسف والامتعاض، إلا أنه واقعٌ، وفي التاريخ عموماً، والصراعات خصوصاً، لطالما دهم جحيم الواقع جنان الأوهام والأحلام.

هي إذن حاجة الفاشلين الخارجيين لعاجزين محليين يكونون رقماً في معادلاتهم، وكذا حاجة العاجزين المحليين لفاشلين خارجيين لتحقيق جزء من أهدافهم، لا كل أهدافهم. هذا الرهان المتبادل بين طرفي هذه الثنائية تتعدى وظيفته الجانب الوصفي للصراع ودينامياته، لتشمل أيضاً العوامل المحددة لمصيره ومآلاته.

المشكلة لم تعد فقط مسؤولية العجز المحلي عن إنتاج الفشل الدولي، أو استثمار الفاشلين لعجز العاجزين، لقد تحولت المشكلة من صيغتها البسيطة تلك إلى صيغة مركبة، فأضحت إشكاليةً، تطرح من الأسئلة أكثر مما تقدم من إجابات، بالضبط لأنها إشكالية لا مشكلة، وهذا ما يفسر أبرز ما يشترك فيه العاجزون والفاشلون: الارتباك.


ارتباك، يجبر الجميع على تأجيل البحث في "التفاصيل" الحاسمة، والتمسك بأهداب اتفاقات على عموميات، هي بقدر أهميتها للسوريين باتت مثيرة للسأم، واليأس، لكثرة اجترارها في المبادرات السياسية المتعاقبة، ولانعدام ثقة العاجزين بالفاشلين.
هذا ما نسميه " اجتماع المنحوس مع خايب الرجاء" وهو الاجتماع الوحيد المنعقد الآن، لأن البشرية والسوريين لا إمكانية لديهم ـ الآن ـ لاجتماعٍ آخر.

 

حسان محمد محمود

كاتب سوري

 

التعليقات

مقاله رائعه بوصفها الدقيق للواقع وما بين الفاشلين والعاجزين وطن ومواطن ييسدد الفاتوره

علِّق