نشرت في .November 18, 2015

 

* غسان المفلح

 

قامت مجموعة من الإرهابيين والقتلة بجريمة مروعة في باريس، ذهب ضحيتها أكثر من 250 مواطناً بين قتيل وجريح.

هؤلاء الإرهابيون، سواء هتفوا بالله أكبر أم لا، يحتاج المرء أن يقرأ هذه الجريمة وفاعليها، ومن يقف خلفهم، قراءة مختلفة تماماً، بعيدة عن قراءات الموضة السارية في الاعلام.

هذه القراءة الاختزالية التي تضع عنواناً لها اسمه ( الإرهاب الإسلامي). لأن هذه القراءة وهذا العنوان، يحيل الجريمة لمجرم مجهول الهوية، عام وشامل.

 

أيضا سنبدأ نشهد من جديد موجة جديدة من الادعاءات الفارغة. ثقافوية وعلمانوية وسياسوية لإنقاذ المجرم الحقيقي الذي يقف وراء هذه الجريمة ومثيلاتها. تبدأ هذه الموجة كي تبرر قتل المسلمين في بلدانهم على يد الأنظمة المجرمة وتنظيمات الإرهاب ذاتها، للوصول إلى الدعوة لاجتثاثهم. لأنهم وفقا لهذه الموجة هم ليسوا بشراً، هم المسلمون. هم الإسلام الذي يجب اجتثاثه.

كل هذه الموجة هي فقط للتغطية على المجرمين الحقيقيين، إنها جريمة محكمة التخطيط والتنفيذ، لا تستطيع تنفيذها إلا أجهزة استخبارات، تعرف باريس جيداً. تعرف المواعيد والأمكنة، مراقبة تحديد وقت التنفيذ... كثيرة هي المهام التي يجب القيام بها قبل الوصول للحظة الجريمة.

إضافة إلى تجنب أية مداخلات من الأمن الفرنسي واستخباراته القوية، كما أننا سنشهد موجة للعداء للاجئين السوريين في أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً، سنشهد موجة من دعم نظم البسطار في بلاد الإسلام!! التي هي وراء هذه التنظيمات الجهادية، هي من تمولها وتخطط لها.

ثمة أمر خاص أيضاً، التخطيط لمثل هذه العملية يحتاج لزمن ليس بقليل، مع ذلك تم توقيتها قبل اجتماع فيينا الدولي لحل القضية السورية. سيقول بعضهم إن هذا  هو التفسير التآمري للمسألة، ويجب ان تبحث عن المسألة في حقل قراءة الأديان وثقافتها. بالطبع المقصود الدين الإسلامي، وبالأخص الإسلام السني.

لأنها الآن موجة قتل السنة العرب والسوريين منهم خاصة. عندما يكون هنالك موجة عالمية تتحول إلى هستيريا جماعية من القتل، وتشريعه تحت مسمى الحرب على الإرهاب، هذا ما تقوم به روسيا بغض طرف امريكي.

تضامننا مع شعب فرنسا، ومع أي مدني يقتل، يجب أن يكون تضامناً نقدياً، بمعنى قراءة الحدث كي لا يبقى يحال إلى مجهول عام ومطلق. الإرهاب الإسلامي ممثلاً الآن بداعش. من هي داعش؟ من يمولها؟ من هو المستفيد من العملية الارهابية ومن توقيتها؟

أسئلة يجب الاجتهاد فيها كون النسق الأمني العالمي بزعامة باراك أوباما، لا يريد الكشف عن الوقائع المادية، لأنها بالنهاية وقائع مجسدة تحيل لطرف سياسي وشخصي موجود على الأرض، ولا تحيل لدين عام ومطلق.

الدليل أن التنظيمات الموالية لولاية الفقيه الإرهابي في إيران، والمستندة في تعاليمها ولحظة تأسيسها على قتل السنة العرب، لا تصبح إرهابية في سورية. الاستخبارات المطلقة الاوبامية تريد عدواً مطلقاً ( الإسلام السني- يقصد المسلمين السنة- في سورية وبقية دول الشرق الأوسط المحاذية لإسرائيل).... حسناً نحتاج لثورة ثقافية على كافة الصعد. سنوافق معكم، لكن هل هذه الثورة الثقافية لوحدها ستمنع تمويل القاعدة  وداعش وحزب الله وعصائب اهل الحق الشيعية؟

أليس في الغرب ثورة ثقافية وتنوير، مع ذلك هنالك أحزاب وتكوينات سياسية عنصرية وفاشية ونازية. لديها ميزانيات، ونواب في البرلمانات الأوروبية.

الإرهاب هو في المؤدى العملي لعبٌ عملي مجسد بمصير الشعوب، لمصالح سياسية ودنيوية بالعام. مجسد بتنظيمات وأشخاص وأموال تتحرك وتشتري أسلحة وتفتك بالبشر.

النخب السياسية الفرنسية خاصة تعرف أكثر من أي نخب أخرى تورّط الأسد في الإرهاب ودعم الإرهاب وتأسيس منظمات إرهابية. ممكن أن يكون منفذوا العملية الإرهابية من أية جنسية، لكن من مولهم ومن خطط لهم ومن أعطى لهم مواعيد وامكنة؟ ومن حدد لهم الأهداف؟

أوباما الأمني يعرف ذلك وكل الإدارات الأمنية الغربية. تعرف العدو المجسّد لكنها تخفيه تحت يافطة عامة. تعرف أن نظام إيران والأسد هما من يدعمان الإرهاب في العراق، والذي كان يستهدف قوات أمريكية أيضا.

داعش وكرٌ دولي للاستخبارات من كل حدب وصوب، مؤسسة تستطيع أي سلطة ديكتاتورية وهمجية او غير ديكتاتورية أن توظف بها وتحقق أرباحاً. هذا ما فعلته إيران والأسد وكثير من الدول. لكن يبقى السؤال من هو المستفيد من جريمة داعش الأخيرة في باريس؟

قادة هذه التنظيمات الدولية هم مرتزقة استخباريون مهما "طولوا ذقونهم وقصروا بناطليهم وقلابياتهم". البروباغندا التي يستخدمونها للتجييش ضد العالم، هي لخدمة هذا الاسترزاق، وليس العكس. العالم بات دائرة مغلقة معلوماتياً وفق السيطرة والهيمنة الامريكية، فكيف تفلت أموال داعش من الرقابة؟ وهي التي تشتري سيارات دفع رباعي- الهمر الامريكية- واسلحة، وتعطي رواتب لإرهابييها ومرتزقتها؟ كيف تفلت جرائم الأسدية في سورية من البث الإعلامي، والنشاط الحقوقي والسياسي، ليتم تحويل ملفه كمجرم حرب إلى محكمة الجنايات الدولية؟

بالمناسبة للذي لا يعلم، أي طفل سوري أو أي مدني سورية قتله ويقتله الأسد وإيران وروسيا في سورية اسمه موجود لدى الإدارة الامريكية والإدارات الغربية.

كفوا عن الدوران في نفس الحلقة المفرغة التي أرادتها إدارة أوباما، من أن الارهاب عام ومطلق وغير مجسد إلا ( بالإسلام السني). جرائم بانياس والحولة والغوطة والقصير والنبك وكل بقعة سورية للأسد وحلفائه لهم جريمة فيها.

جريمة باريس عار على أوباما بشكل خاص... العملية الاجرامية في باريس هي لتأجيل بحث مصير الأسد في الحل السياسي الكاذب في فيينا ولاستمرار قتل السوريين.

 

غسان المفلح

كاتب، وناشط سياسي
 

علِّق