نشرت في .November 16, 2015

* حافظ قرقوط

 

لعل الملفت بموازاة مؤتمر فيينا الذي يفترض أنه معني بإيجاد حلول سياسية لما يجري بسوريا، اللافت أن آخر من اهتم به هم السوريون، بل قد يكون تجاهلهم له بالمعنى السياسي أهم من الذي صدر عنه بكثير، وهو مؤشر على السقوط المدوي للسياسة الدولية، وخلوها من قادة سياسيين من المفترض أن يكونوا بحجم دولهم، وخاصة الدولة العظمى أميركا والدول الكبرى في العالم، وبالذات أوروبا.

 

ليس هذا استهتارا من السوريين بمصيرهم الذي تواجد على طاولة الوفود، وإنما استهزاء واضح واحتجاج معلن من المنظومة الدولية برمتها، بما فيها من أعلن صداقته للشعب السوري وبقي مسوفا ومتفرجا على مأساتهم، وموفرا الظرف والوقت والمساحة لقاتلهم طيلة أربع سنوات ونصف، إذ كان من المفترض أن يتمترس الجمهور السوري في الداخل والخارج والملاجئ والمخيمات وعلى شواطئ البحار التي التهمت أجسادهم وفي كل مكان أمام الشاشات يترقبون بيانات ونتائج هذا اللقاء في فيينا، لكنهم وبطريقة تخفي خلفها الكثير من الشجون، ذهبوا في تعليقاتهم نحو جواز سفر سوري وجد في مسرح الجريمة الإرهابية في باريس، ليطلقوا النكات التي تحوي خلفها الوجع، حيث هرب بعضهم من إرهاب الأسد وداعش، ليجد نفسه محاصرا بالإرهاب في قلب أوروبا.

احتجاج السوريين على ما جرى بفيينا من خلال عدم اهتمامهم به وبنتائجه، يشير حقيقة إلى حس سياسي عال، وشعور بالمسؤولية التاريخية تجاه وطنهم، فهم يدركون تماما أن على الأقل دولتين من المشاركين في ذلك اللقاء الدولي في فيينا، وهما روسيا وإيران، تقودان إرهاب دولة بحق أبناء وطنهم من المدنيين، ولديهما ضباط وجنود ومرتزقة ينفذون مهمات احتلال لبيوتهم وممتلكاتهم، ويتفنون بقتل النساء والأطفال وكافة الشرائح السورية، كذلك يدمرون المشافي والمدارس ودور العبادة، وهم يشاركون تنظيم الدولة وبشار الأسد في الإرهاب المنظم ضد الشعب السوري، فالبغدادي بالنسبة للسوريين لا يزيد إجرامه عن قاسم سليماني وحسن نصر الله ممثلا إيران ولاعن بوتين، فالقاتل قاتل ولا يمكن أن نجهز مؤتمرا دوليا في فيينا لتنظيفه من آثار الجريمة بإلباسه ثوبا سياسيا.

وعلى هذا فنتائج مؤتمر فيينا هي مقروءة سلفا لدى عامة الناس عدا عن الطبقة السياسية وناشطي المجتمع المدني السوري وكذلك ثواره على الأرض، فمقياس الأمور ليس ورقاً يتم قراءته بمؤتمر صحافي ولا بتوزيع ابتسامات من وزراء خارجية، بل كان يكفيهم أن يقولوا للمحتل القابع بينهم في قاعة اللقاء، إن عليه مغادرة الأرض السورية ووقف العدوان الجوي وإخلاء سوريا من قواعدك العسكرية اللاشرعية، وهذا أقل ما يمكن أن يقال كمقدمة لإرسال رسالة صريحة للسوريين أن هناك رجال دولة لهم هيبتهم يجتمهون هناك في فيينا لأجلكم.

ما تسرب من مكالمة توجيهية بين أحد مراكز مراقبة الطيران التابعة لميليشيا الأسد وبين أحد طياريها في الجو، بأن هناك في السماء عشر طائرات صديقة، كاف لمعرفة ما يتضمنه لقاء ديبلوماسيي دول كبرى، فكل الطيران في السماء السورية صديق، وكل الأرض السورية تحترق والكل يتبجح بمقارعة الإرهاب، فعن أي إرهاب يتحدثون وعن أية معايير، ما دام مجرمو الحرب حسب التعريف الدولي لجرائم الحرب، يتشاركون السماء تحت مسمى أصدقاء، بحيث يرمي طيران الروس والأسد القرى والمدن الآمنة والخارجة عن سلطة بشار الأسد، ويمر الطيران الآخر ليقصف تنظيم الدولة، ولكن السوريين لم ينالوا من نتائج ذاك الحلف الدولي لداعش منذ أيلول 2014 حتى اليوم إلا مزيدا من جرائم هذه العصابة وتمددها على الأرض السورية على حسابهم، مضافا لما نالوه من جرائم الأسد وملالي إيران وبوتين.

من جانب آخر، من الصعب على السوريين أن تختصر ثورتهم على الاستبداد والظلم والتطلع للحرية، حيث دفعوا مئات آلاف الشهداء لأجلها، وتدمرت مدنهم وممتلكاتهم، واحتملوا وصبروا، ثم تختصر كل تلك المعاني من الصمود الأسطوري والتضحية العظيمة، بجملة محاربة الإرهاب، وعليه، فإن كل من وقف ضد حريتهم واشترى الوقت لقاتلهم، هو مصنف حكما بخانة الإرهاب، فكما العالم يجري مؤتمرا لأجل السوريين تحت عنوان مقارعة الإرهاب، فإن السوريين عقدوا مؤتمرهم أيضا في بيوتهم وأماكن تواجدهم، وأطلقوا النكات والتهكم، ووجهوا رسالة للعالم أن لديهم أيضا رؤيتهم وتعريفهم للإرهاب، بل وأطرف تعليق قاله السوريون، هو أن البغدادي نفسه سينضم إلى حلف محاربة الإرهاب قريباً بما أن إيران وروسيا حاضرتان وهذا عادل لكي تكتمل تلك الجوقة البهلوانية للسياسة الدولية التي مازالت حتى اللحظة تبحث عن مخرج لمجرم حرب اسمه بشار الأسد، ولم ينقصها إلا أن تفرش السجاد الأحمر لاستقباله كضيف شرف على مؤتمرها.

 

حافظ قرقوط

كاتب وسيناريست سوري

 

علِّق