واستفاق العشق... وتخلَق ناراً على جبين دمشق

هي تصاريف القدر... هي غفلة من عين الزمان ساقت جرذاً ألجماً ليتربع سوطاً أرقماً على رقاب البشر... هي أسراب الغربان المتجهمة تتقاطر تسقي شعبنا المطعون المر في كؤوس الجمر... وهي أعاصير الحرمان تلسع بهديرها تباشير آدميتنا المتسللة بعزم على ندبات القهر...
لم يولد سليل سليمان الوحش من رحم الشام ليتشرّب طهر القداسة... لم يغتسل بنقي مائها ليكنس عن جيفته المتعفنة رجس الدناسة... ولم يرتق الأخرق سلم السياسة ليتوج أسداً أوحداً على مزرعة استحلها بحكم الوراثة... لذا لا عجب أن يتشبث الوغد المستأسد بقوائم كرسي الرئاسة... لا غرابة أن يعرض على مذبح أنانيته عفة حاضرة الشرق في سوق النخاسة... ولا عجب أن يدلل على جسدها المنهك لتنهش فيه كل حثالات الأرض من تتار وفجار وكلاب حراسة...
ولأن درة كالشام يندر أن تعرض كجارية بخسة في ساقط الأسواق، فقد تهافت على انتهاك كبريائها أرذل العشاق، من فاسقين ومارقين وشذاذ آفاق... وغدى جسدها المصلوب مزاراً تلسعه أفواج المتيمين بحارق الأشواق... وباتت مأساتها المتورمة ساحة مستباحة تنازعت على عتباتها المتهالكة كافة الأوراق... وبقيت الشام وحدها تحصي غزاة طهرها المسحوق في بازار العشق الجنائزي، فمن أبله مولّه بالبوط العسكري، إلى تافه تائه في دروب المهدي، إلى ديسم مغرم بجب دب روسي...

ولكل معتوه من هؤلاء مع نوبات عشقه طقوس هذيان جهنمية، فلا يحلو لمهووس منهم ترجمة تقلبات وجده سوى على زعيق المدافع تزلزل جنبات سورية... فعبيد البسطار من حماة الديار يتبركون بالبراميل تطحن عظام شعب حطم قضبان العبودية... والمارقون المحقونون بأحقاد طائفية يتوسلون شفاعة علي بينما يرجمون الأبالسة أحفاد بني أمية... أما آخر أفواج المتيمين من مجانين الهوى فهم أشباه دياسم تسللت من صلب دب مولع بأحضان معشوقته روسيا...


ويبقى الثابت المتفرد في زحمة هؤلاء السفهاء بهائم الأسد من رواد الحظائر... فهم القادرون على هضم شهوات كل منافق فاجر... وهم المتلونون بألسنة الغزاة المدججين بساقط الشعائر... وهم من شرعوا بوابات دمشق للزناة بعد أن لحدوا آدميتهم في صمت المقابر... 
ونبقى نحن المراقبون الحائرون نتساءل كيف غدت الشام مزاراً تحج إليه أفواج المختلين على هشيم طاغية محتضر... ونبقى نبحث عن روابط عشق بهائمي يمضي بلقيط طائفي إلى مراقد تفجرت بأمر فارسي قذر... ونبقى نتفرس باشمئزاز في نشاز دب روسي هوى في رحى حب جهنمي لم يبق ولم يذر...
وتبقى مسامعنا المستكينة رهينة صدى هيام الدب التائه في متاهات الشعر: "روسيا... أحبك وحدك... أنت شمسي... أعشقك بجنون... حبي لك لن ينكسر... لم ينكسر"... ونبقى نحن رسل الصدى المشحون بغضب شعب وشم مجده على جبهة الصخر: "لن تأتي خليلتك أيها الفاسق الأشر... لن تطأ بحوافرها النتنة طهر الشام لو انتظرتها أبد الدهر... ولن نركن لهدير طائراتكم المرهونة لنزوات قوادي العصر... وسيكنس الفجر براحتيه حلكة ليلكم المكفهر... وسيكنس الفجر براحتيه حلكة ليلكم المكفهر"..

علِّق