نشرت في .February 11, 2016
الناشر تاريخ النشر الكاتب ترجمة الرابط الأصلي للمادة
الواشنطن بوست - Washington Post 11 شباط (فبراير), 2016 Ishaan Tharoo مجد عبّار اضغط هنا

خلال الأسبوع الماضي، قامت قوات موالية للرئيس السوري بشار الأسد بالتطويق شبه الكامل لمدينة حلب، وهي ما كانت في وقتٍ ما واحدة من أكثر المدن اكتظاظا بالسكان في هذه البلد التي مزقتها الحرب. وبذلكتكون تلك القوات قد قطعت فعلياً جميع المنافذ الحاسمة للإمدادات من تركيا إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في المدينة.

واستولت قوات الحكومة السورية يوم الإثنين على بلدة كفين الشمالية الغير بعيدة عن الحدود مع تركيا. ودفع هذا الهجوم مخاوف من نزوح جديد للّاجئين، فضلاً عن الخطر الحقيقي بسقوط حلب، العاصمة التجارية لسوريا في وقت السلم وهذا ما سيكون ربما بمثابة أعظم انتصار للأسد منذ بدء التمرد ضد حكمه في العام 2011.

وعُزِّز تقدم نظام الأسد على الأرض بالميليشيات المدعومة من إيران، فضلاً عن أشهر من القصف الجوي الروسي. وقامت القوى الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة، بمتابعة الوضع مع قدر من العجز بينما قام التدخل الروسي بتغيير مجرى الأحداث بقوة على أرض المعركة السورية لصالح النظام. ما يلي في الأسابيع المقبلة سيكون له تأثير كبير على مستقبل الصراع السوري والشبكة المعقدة للأجندات والمنافسات الإقليمية التي تحيط به.

 

أزمة لاجئين جديدة

يعتقد بعض المراقبين أن الحكومة السورية ستنتهج مسار تجويع المتمردين في حلب بدلاً من المخاطرة بمعركة برية مكلفة مطولة داخل المدينة. وكما ذكرت زميلتي، ليز سلاي، الأسبوع الماضي سيؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين اليائسين للوصول إلى ملاذ آمن. وتواجد حوالي 35،000 من السوريين عند معبر الحدود التركية بالقرب من بلدة كيليس والذي كان مغلقاً لليوم الرابع على التوالي يوم الإثنين.

وحذر المسؤولون الأتراك مراراً بأنهم سيصلون إلى نقطة عدم الاستيعاب. وصرحت أنقرة أن نحو 2.2 مليون لاجئ سوري قد وصلوا وتم استيعابهم في تركيا منذ بداية النزاع، على حساب المليارات من الدولارات من أموال الدولة.

وحذّر رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو يوم الإثنين، وكانت حكومته منذ سنوات تطالب بتنحية الأسد وقدمت دعماً ضمنياً لبعض الفصائل المتمردة، أن حلب "هي في الواقع تحت الحصار وأننا على حافة مأساة إنسانية جديدة." كان في اجتماع مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي كانت في أنقرة لفترة وجيزة لمناقشة تحسين التعاون بين تركيا وشركائها الأوروبيين بشأن التعامل مع اللاجئين.

العديد من القادة الأوروبيين، بما في ذلك ميركل حريصون على تخفيض تدفق اللاجئين يالمتجهين إلى الغرب في مواجهة تنامي المعارضة الشعبية في الداخل ويتباحثون بموضوع حزمة مساعدات لإعطاء تركيا مزيداً من الحوافز لتشديد الضوابط الخاصة بها. تدفق اللاجئين أثبت أنه مأزق أخلاقي وسياسي لكلا الجانبين، ويفاقم التوترات الدبلوماسية.

"من ناحية، ويقولون 'افتح الحدود، وتقبل الجميع،' " تذمر نائب رئيس الوزراء التركي يالجين اكدوجان، في إشارة الى الاتحاد الأوروبي. "من ناحية أخرى، يقولون 'أغلق الحدود، لا تدع أي شخص يعبر. ' "

وفي هذه الأثناء تزداد محنة المضطهدين والمشردين السوريين. المخاوف من الرد التركي يعني زيادة أعداد اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون العبور إلى اليونان في البحر المحفوف بالمخاطر. وقد غرق في كانون الثاني أكثر من 250 مهاجر أثناء القيام بهذه الرحلة - ما يقارب من ثلث العدد الإجمالي لعام 2015.
الوضع المتردي على حد سواء لأولئك الذين يفرون الآن من حلب وضواحيها، حيث تجاهد منظمات الإغاثة لتوفير المساعدة الإنسانية اللازمة.
كتب كريستي ديلافيلد، ضابط اتصال بارز في مؤسسة ميرسي كور، في رسالة بالبريد الإلكتروني من مدينة غازي عنتاب التركية ليلة الإثنين، "تم قطع الطريق الرئيسي من الشمال إلى مدينة حلب. بإمكان ميرسي كور مواصلة توزيع المواد الغذائية الموضوعة مسبقاً وغيرها من اللوازم في الوقت الراهن، ولا يمكننا تقدير متى ستنفذ تلك الإمدادات ومتى سنتمكن من الحصول على الشحنة القادمة. طرق أخرى لا تزال مفتوحة ولكن هذه الطرق غير موثوقة ومحفوفة بالمخاطر. "

 

كارثة سياسة بالنسبة للغرب

كل من بطء وبؤس ووحشية الحرب — فضلاً عن المكاسب المستمرة التي يحظى بها الأسد وحلفائه في الأشهر الأخيرة — قد أبرزت الصعوبات الاستراتيجية التي يشكلها النزاع السوري للعديد من الحكومات الغربية، وخاصة لإدارة أوباما. وقد راهن البيت الأبيض الكثير من رأس المال السياسي على التقدم المحرز في محادثات السلام التي توسطت فيها الامم المتحدة، المفاوضات التي سبق وولدت حقد أكثر بكثير من التفاؤل.
 

وفي الوقت نفسه، بدعم من موسكو وإيران، يقوم نظام الأسد بتجريد المعارضة السورية -خليط من الفصائل المتنافسة في كثير من الأحيان بما في ذلك واحدة مرتبطة بتنظيم القاعدة - ومؤيديها مما كان لديهم من نفوذ أو تأثير في وقتٍ ما.

وأشار معهد دراسات الحروب والذي مقره في العاصمة الأمريكية في مذكرة السياسات التي نشرت يوم الجمعة، "سيقوم واقع المعركة بدلاً من سياسات القوة العظمى بتحديد الشروط النهائية للتسوية لإنهاء الحرب الأهلية السورية. [الأسد] وحلفائه في روسيا وايران قد استوعبوا هذا المبدأ الأساسي في حين واشنطن وعواصم غربية أخرى تُعلق آمالها على محادثات جنيف برعاية الأمم المتحدة، والتي تعثرت بعد يومين فقط من بدئها."

وقد ارتفع الانتقاد للتقاعس النسبي لإدارة أوباما، متهماً البيت الأبيض، في نظرة لا حصل، بعدم اتخاذ إجراءات حاسمة عاجلاً لدعم العناصر المتمردة المعتدلة والحد من حملات قصف نظام الأسد اللامتناهية ضد شعبه.

وكتب روجر كوهين، كاتب في نيويورك تايمز، "قد تُصبح حلب بمثابة سراييفو السورية." في إشارة إلى مجتمع آخر انفجر في موجة من الاقتتال الطائفي تحت أنظار العالم.

ولخص كوهين فكرته، "سوريا هي الآن عار إدارة أوباما، كارثة ذات أبعاد قد تلقي بظلالها على الإنجازات الداخلية للرئيس أوباما،"

وأشار البيت الأبيض وأصوات أخرى في واشنطن أن مهمة موسكو في سوريا قد تتحول قريباً إلى المستنقع الخاص بها. وأشادوا أيضاً، وما هو مبرّر، أن التاريخ الحديث للتجاوز الأميركي وعثراته في الشرق الأوسط يجب أن يكون عبرة تحذيرية للتدخل في سوريا.

ويكتب كوهين بأن الروس هم من "يصنعون الطقس" الآن، معززين حاكم سوري كان الرئيس أوباما قد أصر في وقت سابق على رحيله.

وكتب إميل حُكَيِّم، باحث في الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، "إنه من المفهوم بالنسبة للولايات المتحدة الاستناد على العملية السياسية وحث المعارضة السورية للانضمام إلى هذا الحوار بحسن نية. ولكن القيام بذلك أثناء تعريض التمرد للهجوم المشترك للأسد وروسيا وإيران ودون التخطيط للطوارئ هو ببساطة أمر شائن."
 

فوضى جيوسياسية دائمة

في حال سقوط حلب تحت سيطرة النظام، فإن ذلك سيشكل نقطة تحول حقيقية في الصراع. كما ذكرت سلاي الأسبوع الماضي، فإن استيلاء المتمردين على المدينة في العام 2012 كان قد حصل في الوقت الذي كان العديد من المراقبين على ثقة من أن زوال الأسد أمر لا مفر منه. ولكن الآن، على هذا التمرد الهش أن يجاهد رغم كل الصعاب، وربما مع الفصائل المتشددة والإسلامية في المقدمة.

وعلاوة على ذلك، فإن القوى العالمية - ويفترض أيضا أن نظام الأسد - سوف لا تزال ترغب في هزيمة الدولة الإسلامية، الجماعة المتطرفة التي هيمنت على عناوين الصحف العالمية منذ صعودها المثير قبل عامين، والتي تسيطر على الأراضي في العراق وسوريا.

وأخبر باتريك ميجاهان، المحلل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات لوكالة أنباء بلومبرج، "هذه ليست نهاية الحرب، ولكن يمكن أن تكون بداية النهاية، حيث الأسد وروسيا وحزب الله وإيران الفائز الأكبر." (حزب الله هي منظمة شيعية لبنانية، وكيل إيراني، تضم آلاف المقاتلين وملتزمة بالدفاع عن نظام الأسد). وأضاف ميجاهان، "من الأرجح أن العديد من الجماعات الأكثر تطرفاً ستستمر في القتال حتى لو خسرت المعارضة كثيراً من أراضيها."

بينما روسيا وإيران يحققان مكاسب، هناك عنصران من العناصر الفاعلة الإقليمية البارزة الأُخرى تتعثر. المملكة العربية السعودية والتي لعبت دورها الخاص الواضح في دعم التمرد، أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستنظر في إرسال قوات برية إلى سوريا - وهو السيناريو الذي سيكون مؤشراً لأكبر تصعيد في كفاحها مع إيران للسيطرة الإقليمية.

وقد سخر قائد الحرس الثوري الايراني من هذا الاقتراح في مطلع الأسبوع.

وقال اللواء علي جعفري للصحفيين في طهران وفقاً لوكالة أنباء فارس شبه الرسمية الإيرانية، "إنهم يدّعون أنهن سوف يرسلون قوات، لكنني لا أعتقد أنهم سيتجرأوا على القيام بذلك. لديهم جيشاً نظامياً، وعبر التاريخ عرفنا أن هذه الجيوش ليس أمامها فرصة في محاربة قوى المقاومة غير النظامية."

وفي هذه الأثناء، تواجه تركيا العديد من المصاعب الخاصة بها. حيث كانت لعبة السلطة الروسية في سوريا بمثابة كارثة لأنقرة: الحرب الجوية الروسية قامت على حد سواء بدحر أي أمل تركي لإقامة منطقة حظر جوي على الجانب الآخر من الحدود السورية وكان أيضا دفعة دعم للفصائل الكردية السورية التي استولت على المزيد من الأراضي في شمال سوريا.

إن وجود دويلة كردية سورية أمر غير مقبول من تركيا، والتي هي في خضم مواجهة التمرد المتجدد ضد المتمردين الأكراد في جنوب شرق البلاد المضطرب. وقد تم طرح احتمال حدوث توغل بري تركي، لكنها خطوة محفوفة بالمخاطر والتي من الممكن أن تكثف من مواجهة مميتة بالفعل.

ومن جانبه، قام الأسد منذ زمن بزعم أن حربه هو عملية ضد "الإرهابيين" - بغض النظر عن الأدلة الوفيرة على عكس ذلك. بسيطرته على حلب ووجود "التمرد المعتدل" كخيال أكثر منه واقع، قد يحصل على ما يريد.

وكتب دانيال سيروير من معهد الشرق الأوسط، "لطالما رغب الأسد أن يُنظر إلى المنافسة في سوريا على أنها معركة بين نظامه والمتطرفين. إنه يقترب من طرد المعتدلين نسبياً من ساحة المعركة وتحقيق نبوءته الخاصة. وستكون العواقب بالنسبة لكثير من السوريين ولتركيا وآفاق السلام كارثية."


  • Ishaan Tharoo

علِّق