No votes yet
عدد القراءات: 7178

مليونيرات الحرب الجدد في سوريا... بالنسبة للنخبة الجديدة، السلام خيار سيء.

الكاتب الأصلي: 
Print edition
تاريخ النشر: 
6 حزيران (يونيو), 2017
اللغة الأصلية: 

 

في وسط الدمار السائد في سوريا، حَفَرَ محي الدين منفوش مملكةً بُنِيَتْ على الجبن. محي الدين رجل مغمور كان يملك خمساً وعشرين بقرة باسمه قبل بدء الصراع، وهو يملك الآن ميليشيا خاصة به: إنها قطيع من ألف رأس من الأبقار وشركةٌ تبيع منتجات الألبان في كل مكان في دمشق.

بالنسبة لأولئك الذين لديهم قنواتُ اتصالات صحيحة وشهيةٌ للمخاطر، فقد فتحت الحرب لهم مصادر مربحة من الإيرادات. بالنسبة للسید منفوش، فإن ثروته الجديدة ترتبط ارتباطاً مباشراً بتکتیك النظام المفضل المتمثل في حرب الحصار. وقد أثبت ذلك فعاليته في عزل محاولات المتمردين واحتوائها وخنقها إلى أن تستسلم دون أن تستهلك الكثير من القوى العاملة المتناقصة في النظام. كما ولد هذا الحصار الكثير من المال أيضاً.

وكانت بقرة السيد منفوش الحلوب موجودة في حصار الغوطة الشرقية، وهي منطقة كبيرة يسيطر عليها المتمردون شرق دمشق. في منتصف عام 2013، حاصرت قوات النظام المنطقة التي زودت أراضيها الزراعيةُ الغنيةُ العاصمةَ بمعظم اللحوم ومشتقات الحليب قبل بدء الحرب. ومع تشديد الحصار، فقد مزارعو الألبان ببطء إمكانية الوصول إلى عملائهم في العاصمة. مع تضخم كميات الحليب الذي أعقب ذلك في الغوطة المحاصرة، انهارت الأسعار.

 

وباستخدام قنوات اتصالاته، أجرى السيد منفوش، الذي يملك مشاريع صغيرة خاصة بتصنيع الجبن وتسويقه، اتفاقاً مع النظام. وبدأ في جلب الحليب الرخيص من أراضي المتمردين في الغوطة الشرقية إلى دمشق التي يسيطر عليها النظام، حيث كان بإمكانه بيعها بأسعارٍ مضاعفة. وحصل النظام على تخفيضٍ في الأرباح. استعاد السيد منفوش حصته، واستولى على أفضل الأبقار في المنطقة وآلات الألبان من المزارعين ورجال الأعمال الذين عرقل الحصار سبل معيشتهم. ومع تطور الأعمال التجارية، عادت الشاحنات التي غادرت الغوطة بالحليب والجبن مُحَمَّلةً بالشعير والقمح الذي كان يحتاجه لإطعام قطيع الألبان المتنامي هناك ولتشغيل المخابز التي اشتراها.

وبما أنه التاجر الوحيد الذي يُسمحُ له بإحضار البضائع داخل وخارج أكبر منطقة محاصرة في سوريا، فقد تمكن منفوش من التحكم بالأسعار. عندما بلغت ذروتها في شتاء عام 2013، حيث شدد النظام الحصار بعد مقتل 1400 شخص في هجوم غاز السارين، كان السيد منفوش يتقاضى تسعة عشر دولاراً لكل كيلو من السكر (تكلفة نفس الكمية في دمشق أقل من 1 دولار). كون السوق محاصرة، وكونه الشخص الوحيد الذي يملك الحق في استيراد الغذاء والوقود والأدوية، فقد ارتفعت عائدات السيد منفوش – وعائدات شركائه في مناطق النظام – بشكل صاروخي. قام المتمردون بحفر الأنفاق خارج الجيب المحاصر كمحاولة منهم لتنويع الإمدادات، مما أدى إلى تراجع الأسعار بالنسبة للسيد منفوش، مع العلم أنها لا تزال أعلى عدة مرات مما كانت هي عليه في دمشق. حتى مع مثل تلك المنافسة، أصبح الحاجز الذي من خلاله نقل السيد منفوش بضائعه يُعرَفُ باسم "حاجز المليون." يعتقد السكان أن إيرادات هذا الحاجز التي يحصل عليها الجنود القائمون عليه تصل إلى خمسة آلاف دولار في الساعة كرشاوى.

زادت المساعدات الخارجية من أرباح السيد منفوش، حيث اضطرت منظمات تمويل المخابز والمجالس المحلية إلى الاعتماد عليه لتحويل العملة الصعبة إلى الغوطة الشرقية. وهذا بدوره خلق المزيد من المال لِمَلِكِ الجبن، الذي استفاد من أسعار الصرف المختلفة داخل وخارج منطقة المتمردين المحاصرة.

تختلف تقديرات ثروة السيد منفوش. ومن المعروف أن تاجر الجبن قادر على الاحتفاظ بميليشيات خاصة قوامها نحو 500 رجل وقوة عاملة قوامها تُقدَّرُ بحوالي 500 1 شخص يتقاضى كل عامل منهم ما يعادل 250 دولاراً في الشهر - أكثر مما يدفع قادة المتمردين لمقاتليهم. لقد اشترى ممتلكات في دمشق، ومصانعه داخل جيب المتمردين تخرج من منتجات الألبان، ورقائق البطاطا المقلية، والسلع المعلبة والعصير.

 

وبصرف النظر عن كل ذلك، فقد حصل النظام أيضاً على درجة من الهدوء من حصة منفوش في الغوطة الشرقية. "الناس يرونه كنوع من شخصية روبن هود. إنه الوحيد الذي جلب الطعام، ومنطقته لا يتم قصفها مثل غيرها من المناطق. إنهم يحبونه. قال يوسف صَدَقي، المحلل السياسي السوري الذي درس اقتصاد الحصار في الغوطة الشرقية، إن الناس لا يريدون من المتمردين إفساد هذه الأمور."

لا تكسب نخبة رجال الأعمال الجديدة المال من الحصار فحسب، ولكن من انهيار الاقتصاد العام. فخلال الحرب، تدهور اقتصاد البلاد تدريجياً. لقد أدت العقوبات الدولية والضرر الذي لحق بالبنية التحتية إلى شل قطاع النفط والغاز الذي كان المصدر الرئيسي لإيرادات الحكومة، كما مولت الحكومة عجزها الضخم من خلال طباعة النقود وتناول احتياطاتها الأجنبية. فقدت الليرة السورية أربعة أخماس قيمتها، وانخفضت الاحتياطيات من 20 مليار دولار إلى 1 مليار دولار منذ عام 2010. ويقول صندوق النقد الدولي إن الناتج المحلي الإجمالي السوري اليوم أقل من نصف ما كان عليه قبل الحرب.

ومع استمرار القتال، فر العديد من كبار رجال الأعمال السوريين الكبار من سوريا، ونقلوا أصولهم إلى الخارج. أما الذين اختاروا البقاء في سوريا، ومعظمهم من أصحاب الشركات الصغيرة، فقد شغلوا الفراغ. تختلف الخدمات التي يقدمونها، ولكن معظمها ينطوي على تسهيل تدفق البضائع إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام. وقد ساعد آخرون النظام على فرض العقوبات، وأنشأوا شركات أمامية تستورد الوقود والمواد الغذائية والأصناف الفاخرة.

أما إذا كان السيد منفوش وكل من هو مثله سيحتفظون بثرواتهم بعد الحرب فهذا يعتمد على كيفية اندلاع الصراع وعلى السلام الذي يليه. قال رجل أعمال يَعْرِفُ تاجر الجبن "إنه يسبح مع أسماك القرش. إنه لا يعرف متى سيتخلى النظام عنه لكنهم سيفعلون ذلك بالتأكيد، وسوف يبصقونه حالما يدركون أنه لا فائدة من التعامل معه." غير أن آخرين يعتقدون أنه سيتحمل، وأن الشبكات والصلات التي بناها مليونيرات الحرب ستبقى على قيد الحياة. وإذا فعلوا ذلك، فسيكونون في وضع جيد للاستفادة من أموال إعادة الإعمار التي ستتدفق بعد انتهاء الحرب. ومن ثم، فإن أولئك الذين تحولوا إلى أغنياء خلال أحلك ساعات بلادهم قد يكونون هم الذين يدفعون ثمن إعادة بنائه.

 

ظهرت هذه المقالة في قسم الشرق الأوسط وأفريقيا من النسخة المطبوعة تحت عنوان "رعاة الألبان"

 

علِّق

المنشورات: 48
القراءات: 581140

مقالات المترجم