No votes yet
عدد القراءات: 16059

المُخبِرَان عن الجاسوس الروسي يثيران غضب بوتين، ولكن هل يمكن الوثوق بهما؟

الكاتب الأصلي: 
Anna Nemtsova
تاريخ النشر: 
22 شباط (فبراير), 2017
اللغة الأصلية: 

 

انشق عضو في البرلمان الروسي وزوجته عن نظام موسكو ولجَأا إلى أوكرانيا، حيث وصفهما الكرملين بأعداء الشعب، لكن الوصف الأقرب أنهما أعداء بوتين.

 

قبل أشهر قليلة فقط، كان دينيس فورونينكوف وزوجته ماريا ماكساكوفا اثنان من أبرز النجوم في فضاء السياسة الروسية من الذين كانوا يحاولون تحسين النظام الروسي من الداخل، أو بالأحرى تحسين جزء ضئيل منه فحسب، حيث اعتادا ركوب السيارات الفارهة وتناول العشاء مع كبار موظفي الكرملين في المطاعم الفخمة، ناهيك عن قضاء الإجازات في باريس وكان الفرنسيتين.

 كِلَا الزوجين كان عضواً في البرلمان الروسي أو كما يعرف بمجلس الدوما. كان الزوج عقيداً في الجيش الروسي و مسؤولاً مخضرماً في مكتب الادعاء العسكري أيضاً، بينما كانت زوجته الحسناء الروسية الكلاسيكية ماكساكوفا، مغنية في أوبرا مارينسكي أو كيروف. عاش الزوجان حياة هنيئة في روسيا يحكمها بوتين، بيد أن نظام موسكو أكلهما لحماً ورماهما عظماً.

ولكنهما تحولا اليوم إلى مُخبِرَين ومُنشَقين لجأا إلى أوكرانيا، ويطاردهما جهاز الأمن الفيدرالي الروسي إف إس بي، لكنهما يقولان أنهما على استعداد للمثول أمام القضاء للتحدث عن الأعمال الداخلية للمؤسسة الروسية الحاكمة.

 

ولغاية الآن على الأقل، يقول الاثنان أنه لا علم لهما بتعامل روسيا مع الرئيس ترامب أو رفاقه، حتى لو كانت المعلومات التي يقدمونها للأوكرانيين قد تساعد بصورة غير مباشرة في معرفة المزيد حول كثير من التساؤلات المحيطة بالرئيس الأمريكي الجديد وفريقه واتصالاتهم مع المخابرات الروسية. وكما يفضل المحللون الاستخباراتيون قوله، فإن بناء صورة كاملة لما يجري مشابه تماماً للعبة تجميع الألغاز المتشابكة إذ لا تقل أحياناً أهمية الفراغات في كشف الغموض، عن أهمية القطع.

وفي مقابلة حصرية مع صحيفة الدايلي بيست، قال فورونينكوف: "ينبغي على الأمريكيين إدراك أن بوتين ورجاله مقتنعين أنه يُدَوِرُ العالم بقدمه مثل لاعب كرة القدم. وإن الهجمات الإلكترونية التي شنها جهاز الأمن الفيدرالي الروسي قوية جداً على مستوى العالم. واليوم هم لا يستمعون إليك فقط / فقد استمعوا إلى جميع مكالماتي الهاتفية وسجلوها على مدار ثماني سنوات/، كما أنهم يهاجمون دولاً أخرى".

وأضاف العقيد فورونينكوف أنه لم يكن أمامه وزوجته من خيار سوى الفرار من روسيا أواخر العام الماضي بهدف إحباط مخططات جهاز الأمن الفيدرالي الذي كان قد بدأ باستجوابهما بخصوص عدد من التهم الجنائية المزعومة والمتعلقة بصفقة عقارية مثيرة للجدل. إن الإستراتيجية المفضلة لِكَمِ أفواه مثيري المشاكل المشتبهين، هي اتهامهم بالفساد في ظل نظام يعشش فيه الفساد أصلاً.

لم يعترض أحدُ طريقَ  هذين النائبين في مجلس الدوما، عندما حزما أمتعتهما وعَبَرا الحدود في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2016، أي قبل الموعد الرسمي المتوقع لانتهاء سريان حصانتهما البرلمانية أوائل ديسمبر/ كانون الأول من ذاك العام، غير أنهما لم يتوجها لا إلى ألمانيا بلد الجنسية الثانية لماكساكوفا، ولا إلى إسرائيل التي أقاما فيها حفل زواجهما على الطريقة المسيحية الأرثوذكسية الروسية، بل حطا الرِحال في أوكرانيا من أجل التعاون مع حكومتها التي يصفها كثير من أعضاء الكرملين بـ "المجلس العسكري" أو "دمية بيد الرئيس أوباما".

تَحَدثَ فورونينكوف بعاطفية وكان يتفحص الرسائل الواردة إلى هاتفه الخلوي باستمرار أثناء جلوسه بجانب المدفأة في بهو فندق هيات في قلب العاصمة الأوكرانية كييف.

وقال فورونينكوف: "عرضت مجموعة من المجرمين في جهاز الأمن الفيدرالي السماح لي بدفع رشوة مقدارها 3 ملايين دولار مقابل إغلاق ملف القضية التي لفقوها ضدي". وكان فورونينكوف واضحاً جداً في إشارته لاسم من يقود الحملة ضده وهو الجنرال أوليغ فيوكتيستوف.  

وأصرَ فورونينكوف، النائب السابق على أنه لم يكن عدواً لروسيا، وأنه كان محباً لوطنه ولكنه أراد تسمية بعض الأسماء أمام القضاء. بعد أن سرقت الحكومة الروسية شركة يوكوس للنفط وزجت بمؤسسها ميخائيل خودوركوفسكي في السجن عام 2003، منح الرئيس بوتين كامل فريق الجنرال فيوكتيستوف الضوء الأخضر ليسرقوا ويضايقوا رجال الأعمال، هذا ما جاء على لسان فورونينكوف أثناء حديثه للصحيفة، و زَعَمَ أنه في العام 2014 سيطر جهاز الأمن الفيدرالي على قطاع التجارة وسجن الآلاف على خلفية جرائم اقتصادية مفترضة.  استطاعَ الرَجُلُ التنبؤ بمصير مشابه لهؤلاء وقال: "5,0 % فقط من أحكام القضاء الروسي هي أحكام بالبراءة، وحتى أنه كانت النسبة 20% إبان حكم ستالين. يبدو أن نظام بوتين يشبه كثيراً نظام النازيين".

وبينما يطلق المسؤولون الروس اليوم على فورونينكوف اسم "الخائن"، كان النائب السابق يلتقي مع الإدارة الرئاسية والمدعين العامين في أوكرانيا، تحضيراً للإدلاء بشهادته مطلع شهر آذار، حول قضية الخيانة المتهم بها الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانكوفيتش.

وقال فورونينكوف: "طلب الرئيس يانكوفيتش من الكرملين إرسال الجيش الروسي إلى أوكرانيا لقتل الشعب الأوكراني . إنه مجرم، وإذا كان بوتين يدعم يانكوفيتش فحينها لن أدعم بوتين".

لن يمثل الرئيس الأوكراني السابق في قاعة المحكمة، إذ إنه يعيش في منفاه في روسيا. ومن الممكن تصور أن ما سوف يُسمَع من شهادات سوف تلقي الضوء على بعض نشاطات رفاقه بما فيهم المستشار السياسي الأمريكي باول مانافورت الذي كان يرأس حملة ترامب الانتخابية  قبل أن يستقيل في الصيف الماضي، ولكن مجدداً، يقول فورونينكوف أنه لا يعرف شيءً عن مانافورت.   

في هذه الأثناء، جعلت الأنباء القائلة أن السلطات الأوكرانية منحت الجنسية لفورونينكوف، الكثير من الناس يتساءلون عن ماهية الصفقة التي أبرمها هذا المخبر المنشق مع القيادة في البلاد.

وبإحباط ملحوظ، تحدثت الصحفية الأوكرانية اناستاسيا ماكازوفا إلى صحيفتنا قائلة: "أود معرفة سبب عدم ملاحقة سلطات بلادنا  لفورونينكوف قضائياً"، إذ صَوتَ بصفته عضواً في البرلمان الروسي، لصالح ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية فضلاً عن أنه امتدح على تويتر نوفورسيا الدولة الانفصالية في شرق أوكرانيا".  

وفي حديثه للصحيفة، قال مصطفى نعيم العضو في البرلمان الأوكراني: "منحُ فورونينكوف وزوجته اللجوء السياسي كان قراراً سياسياً. وكان فورونينكوف يُرى أنه مصدر قوة رئيسي في المحاكمة المرتقبة للرئيس يانكوفيتش ـــــ لأنه عضو سابق في البرلمان الروسي و مستعد لأن يشهد ضد الكرملين".

وبدورها أدانت موسكو فورونينكوف وزوجته واتهمتهما بأنهما أعداء للشعب الروسي، وذلك استناداً على أفضل تقاليد جهاز الاستخبارات الروسية كي جي بي وجهاز الشرطة السرية في عهد الاتحاد السوفييتي، التي اتبَعها بالأساس الرئيس فلاديمير لينين قبل نحو قرن من الزمن.

ووصف النائب الروسي فيتالي ميلونوف صاحب القانون الدعائي الشائن بحق المثليين، ماكساكوفا أنها "عاهرة سياسية". بدورها تحدثت ماكساكوفا مغنية الأوبرا والعضو في البرلمان، بقوة ضد تشريع ميلونوف ولصالح حقوق مجتمعات المثليين، وكانت أيضاً النائب الوحيد في مجلس الدوما الذي لم يُصوت لصالح القانون الذي منع العوائل الأمريكية من تَبَني الروس اليتامى.

وتقول أولغا كرايشتانوفسكايا، المتخصصة في شؤون الكرملين، والصديقة القديمة لماكساكوفا: "أصبح من الخطير جداً مجرد كتابة منشورات انتقادية على شبكات التواصل الاجتماعي في روسيا، غير أن فورونينكوف وزوجته وهما من أبرز الشخصيات العامة في أوساط النخبة السياسة الروسية، كانا قد انتقدا سياسات معينة إلى أن طردتهما الحكومة خارج البلاد".  

 

غير أنه كانت تجمع الزوجين بكبار ضباط الكرملين، علاقات دافئة وحميمة، إذ  منذ وقت ليس ببعيد، كان فورونينكوف يصافح  فلاديسلاف سركوف، أحد المناصرين لأيديولوجية بوتين حول سياسة روسيا العظمى. كما أنهما اتخذا وضع المتكلف أثناء التقاط صورة جمعتهما بسيرغي ناريشكين رئيس مكتب الاستخبارات الروسية الخارجية.

وتساءل البعض في كييف عما إذا كان الزوجان عميلين مزدوجين تم إرسالهما من أجل تأدية دور أكثر تعقيداً؟! وحتى إذا ما وثق الأوكرانيون بهما، فهل يمكن للطرفين تبادل الثقة؟!.

وفي حديثها لصحيفتنا، قالت إيكاترينا سيرغاتيسكوفا المعُتَمَدة لدى قناة هورمادسكي التلفزيونية المستقلة: "ما من ضامنٍ ألا تُسلم سلطات بلادنا هذين الزوجين لروسيا كنوع من الصفقة أو تبادل السجناء، ولكن لسبب ما، نرى فورونينكوف مقتنعاً أنه آمن في أوكرانيا".  

وفي إحدى الصور الملتقطة حديثاً للعائلة، تحضُن ماكساكوفا وهي فخورة، زوجها وابنها المراهق والطالب في كلية سفورف العسكرية. ويظهرُ في الصورة كل من الأب والابن بالزي العسكري الكامل، إذ كانت تبدو مثل صورة لعائلة وطنية.

وأما النائب ميلونوف، الزميل السابق لفورونينكوف في مجلس الدوما، قال: "لقد خسر فورونينكوف كرامته والحق في أن يكون ضابطاً روسياً، ما فعله كان  خيانة، وقد أهان هذا الرجل شرف الزي العسكري الذي كان يرتديه يوماً ما".

ويقول فورونينكوف أنه لا يعتقد أن السلطات الأوكرانية سوف تسلمه وزوجته لموسكو، إذ إن خطوة كهذه من شأنها أن "تلطخ سمعة كييف في المحافل الدولية" على حد تعبيره.

علِّق

المنشورات: 97
القراءات: 626915

مقالات المترجم