عدد القراءات: 569

مرّ من الهزيمة تكرارها !

 

قد يقف الانتصار العظيم على تلة من فشل متراكم، وقد يفشل الانتصار العظيم أيضاً في استثمار انتصاره، فيتهاوى إلى درك أمرّ من الفشل وأقسى، ذلك أن النجاح -والانتصار العسكري خاصة- قد يذهب بكل العقل والحكمة ويفقد صاحبه الاتزان.

مثل ذلك ما حدث بعد اختطاف الثورة الإيرانية من أيدي أصحابها على يد الخميني، الذي استقوى آنذاك بالتجييش الغرائزي الديني وبالوعود بالجنة وملاقاة الإمام القادم من خرسان، يجرّ جيوشاً جرارة تقضي في طريقها على الأعور الدجال وتديل دول الكفر، وتمضي لتعيد مكة المكرمة إلى عهدة أصحابها الشرعيين من آل البيت- كما يعتقد هؤلاء- على يد جيشهم، وتسليمها لوليهم العائد من غيبته، لكي يملأ الأرض عدلاً، ولكن ذلك الحلم التوسعي الوردي القائم على تصدير الثورة، ما لبث -كما يفترض منطق الأمور- أن اصطدم بجيوش صدام، التي أذاقتهم مرّ الهزيمة وجرّعت وليهم آية الله العظمى الخميني السمّ، بعد ثماني سنوات من القتال والدمار، ولكن جذوة مشروعه الشيعي/ الفارسي ظلت مشتعلة ولو ببصيص أخذ ينتشر ويتوسع حتى غدا مشكلة العصر والمنطقة، بينما قادت الحماقة صدام إلى أن يبذر النصر الذي حصده ويفتت القوة التي جمعها، سائراً في اتجاهين متخالفين ومتكاملتين، اتجاه غزو الكويت الذي عاد عليه بالبوار، واتجاه حملة ذبح لجماعات كردية وأخرى شيعية آنذاك، وإجراءات أخرى سهلت على الأمريكي تلفيق التهمة له وغزوه، وتخريب بنية الدولة والمجتمع العراقي على الصعد كافة.

 

ثمّ جاء ما بعد صدام بأيد ممدودة إلى ولاية الفقيه في ظل ( الخامنئي) بصورته الأكثر شراسة وعدوانا، رغم أنه لم يكن مؤهلاً للولاية ولم يحز شروطها، لكن ضرورة إبعاد المنتظري وشخصيات تمثل وزناً كبيراً وأصحاب رؤية مخالفة للخميني، الذي نفذ إعدامات وثقها آية الله المنتظري وذكر فيها أن حكومة الخميني أعدمت من الأشخاص عشرة أضعاف ما أعدمه نظام الشاه.

هكذا خسر صدام حسين انتصاره، عندما هيأت عظمة نفسه وخيلاؤها أنه قادر على إقامة إمبراطورية بإضافة أموال الكويت ونفطها إلى خزينته، ولكن عظمته المتغطرسة انتهت به إلى خراب العراق، وعودة عدوه الإيراني المهزوم إلى واجهة المنطقة، بمباركة وربما غباء أو خبث أمريكي ، ليغدو لاعباً أساسياً في صراعات المنطقة، وأحد أخطر ما يتهددها في زمن الانكفاء الأمريكي، وتغوّل الروسي واحتلاله وذهابه مؤخراً لاستبدال الأمريكان والأوربيين معاً بتركيا وإيران، وبنسخة مزيدة ومنقحة من المعارضة السورية، ليتم الاتفاق النهائي فيفوز الروسي والإيراني ويبقى حليفهما الأسد على الفتات، تحت مظلتهما وحمايتهما!

الانتصار الإيراني مأخوذاً بالنشوة ذهب بعد هيمنته على العراق، ليحرك كل أذنابه المزروعة منذ زمن في الدول المجاورة، للإطباق عليها وإحياء حلم الصوفيين قبل خمسمئة عام، بصياغة الإمبراطورية الفارسية الشيعية، على حساب الأكثرية السنية وكل المخالفين وغير الموالين، ولكن ما لم ينتبه له الإيراني المتغطرس، أن هذه  الأبواب التي فتحها للصراع في المنطقة مستفيدة من ظروف تاريخية مواتية، هي التي ستقوده إلى نهايته، وذلك لأنّ شعوب المنطقة لن تقبل بها سلطة حاكمة ولا بفرض مذهبها العدواني المأفون باسم الحسين وفاطمة وشهداء آل البيت، ولأن طبيعة العقد ( الشيعي/ الفارسي) قد يصلح لتمرير زمن الانبهار بالطاقة العدوانية الكبيرة المنطوية في الولاية المعدلة على يد الخميني، ليكون للولي الفقيه سلطة حتى نصوص الشرع ذاته، ولتضفى عليه شيئاً من قداسة روح الأئمة الغائبين، وكل ذلك يجير لصالح سلطة قهر مركّب، تطول كل المخالفين وحتى الشيعة المعترضين على طبيعة التعديل وعلى تسليم الرئاستين الدينية والسياسية لسلطة الولي الفقيه، وإقامة حكم استبدادي ( أتوقراطي)، بدت ملامح أزمته، تلوح منذ أيام مؤسسه الأول الخميني، ولازالت معارضته تضمّ شعوباً من قوميات متعددة ومذاهب مخالفة، ومعارضة سياسية مصممة على إعادة إيران الليبرالية الحضارية المنفتحة على الغرب والحداثة والديمقراطية!

من هنا يبدو أن مشروع إيران السياسي الملتبس بعمامة الفقيه وجبته، هو مشروع عارض وطارئ، لأنه يفتقد لعوامل النهوض والاستمرار، وعلينا نحن السوريين أن نحسن التعامل مع الواقع، من خلال مركزية الهدف الحضاري السوري، وإعادة تنظيم الصفوف وفق منهجية تبنى على النقد البناء، وترفض منطق الهزيمة بمعنى النهاية، لأنه لا شيء يكرس الهزيمة سوى القبول بها وتكرار ظروفها، ومن أنتجوها، فهل نحن لها !

علِّق