نشرت في .October 28, 2015

 

* سليمان حنيف

 

مثالان أو شعاران محكيّان جاهليان ينتميان إلى عصر البداوة ومجتمع الرعي،  أساءا للشعب السوري وثورته، وغيرا مجرى الأحداث كليّة، ونقلا الصراع في البلاد من ثورة تحررية ضد الظلم، إلى صراع طائفي قبائلي غرائزي، بعيد كل البعد عن الانتماء الوطني الجامع الذي تتميز به الأمم المدنية التي انصهرت فيها جميع الانتماءات إلى قيمة واحدة هي المواطنة، هذان الشعاران هماة:

 

 

"انصر أخاك ظالما أو مظلوما"

ويشمل الأخ هنا الرابط العرقي، القومية، العقيدة.
هذه القاعدة خرجت من عمق الجاهلية القبائلية عندما كانت رابطة الدم أقوى من رابطة الحق، وكانت القبائل تناصر بعضها لمجرد حتى في الغزو وغارات السرقات والنهب، و للأسف توطدت هذه القاعدة اليوم  في عقول الكثيرين من السوريين المنتمين إلى العالم الجديد، نأخذ الكورد مثالاً؛ معلوم للجميع بأن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD  هو الذي يدير مناطق الشمال السوري، وهذا الحزب هو فرع من حزب العمال الكردستاني PKK  التركي في سوريا، بقيادة عبدالله أوجلان المعتقل لدى تركيا منذ عام 1999 و صاحب فلسفة ( لا وجود لكردستان في سورية).
هذا الحزب ورغم  الاتهامات الموجهة إليه من قبل كثيرين كان آخرها تقرير منظمة العفو الدولية، فإن معظم الفئات الكردية تهبّ لمساندته والوقوف إلى جانبه لمجرد أن خصمه الافتراضي هو العنصر العربي  (كثير من الجرائم سواء أكانت عمليات تهجير قسرية أم ابتزاز أو خطف مورست على الكورد أيضا)،  وتشمل فئات المدافعين عنه  معظم المثقفين الذين يقفون ضد مشروعه السياسي بالأساس، ومنهم من نال  قسطاً من الشقاء على يديه، جاعلين من جملة " هو في النهاية كوردي ويجب أن نقف معه مهما يكن" قاعدة تطيح بكل ما يدعونه من فكر مدني وتحرري يتهمون الآخرين بأنهم يعدَمونه، ويتناسون في سبيل ذلك  الظلم والاستبداد الذي يمارسه الحزب على الكورد وعلى المداعين أنفسهم، وليست  هجرة الكورد من مناطقهم على شكل مجاميع بشرية تطوف الوديان والبحار إلا دليلاً على ذلك.

تمارس هذه التقيّة أيضاً أحزاب كردية أخرى في سورية، تأتي على شكل توابع لأقليم شمال العراق" أقليم كردستان"، وهذه الأحزاب يديرها حفنة من كبار السن، الواضعين سقفاً واطئاً لأحلامهم ومصلحة أهلهم.
طبعا لابد من التأكيد هنا  أن الكورد السوريون مشتتون  بين حزب يديره مجموعة من الكورد العسكريين ذوي  الأصول التركية، وبين أحزاب توابع لإقليم شمال العراق، أي أنه ليس هناك مشروع وطني جاد يشمل الكورد في سوريا ويوجههم في الطريق الصحيح، لذلك باتت رابطة الانتماء العرقي هي الغالبة.

 

"عدو عدوي صديقي"

قاعدة لا نستطيع من حيث المنطق  تطبيقها في سورية، سيما بوجود كثير من الفئات المتقاتلة واختلاف توجهاتها بحيث ضاعت صفة العدو والصديق، ولكن رغم ذلك و  للأسف يطبق هذه القاعدة كثير من السوريين اليوم:
1. تهليل مؤيدي النظام للاستعمار الروسي: متكهنين بأنه هو الخلاص لهم من المعارضة المسلحة والقوات الاسلامية المتطرفة، ومتناسين أن الروسي هو الروسي، الغريب عن البلاد وأهلها، والذي لا تيمنحه أية صفة وشرعية قتال أهل البلد الأصليين، حتى لو كانوا (ارهابيين) بنظر النظام.
2. تأييد حشود كبيرة من الشعب السوري للكتائب والجيوش الإسلامية المتشددة:  على اعتبار أنها تقاتل الأسد، فالعدو  إذاً واحد.

وبعيداً عن الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام" داعش" التي يخاصمها الجميع بمن فيهم لاسلاميون، فإننا نجد دعماً شعبياً كبيراً وتاييداً  لفصيل " جبهة النصرة"   الذي أكد زعيمه " أبو محمد الجولاني" أنه جزء من تنظيم القاعدة، وأنه يأخذ أوامره من أيمن الظواهري بنفسه.

هذا السيل من الصدمات ، أخذ نظرة المجتمع الدولي إلى الثورة السورية إلى منحنى جديد، وشكل عائقا في طريق دعم الثورة والثوار، و الآن بين سبب أو آخر، أو عدة أسباب، تضيع ثورة السورية، ويضيع هدفها الوحيد" دولة سورية ديمقراطية تعددية بعيدة عن الاستبداد والظلم"

 

 

* شاب كردي سوري من كوباني

يكتب المقالات الأدبية والثقافية بالإضافة إلى الشعر وينشر في عدد  من المواقع والجرائد العربية

 

علِّق