نشرت في .October 16, 2015

 

* سعيد لحدو

 

من المعلوم أن الدببة لا تتعاطى السياسة، وشهرة الروس في ألعاب السيرك وفنونها لم تكن يوماً انعكاساً لتجارب مدربيهم الفاشلين في ألعاب السياسة. لذا فإن استعارة القيصر بوتين ووزير خارجيته الأزلي لافروف لبعض بهلوانيات السيرك لاستخدامها في السياسة تعتبر قفزة خارج إجراءات الأمان التي تتخذ عادة في ألعاب السيرك.
الدب الروسي الذي سُحبَت قدمه إلى الشتاء السوري في غفلة منه، قد لاتطول به الأيام حتى يداهمه الإحساس بالغربة عن بيئته القطبية، بعد أن يصحو من غفلته تلك. ولقد قيل في المصطلح الشعبي السوري: (ياغافل إلك الله). لكن يبدو أن الله لم يعد يكترث لمن سكن أكثر من سبعة عقود في بيت الشيوعية الذي تداعى على ساكنيه بسبب التكاذب والنفاق والتعاظم المزيف، وما زالت أشباح ستالين وبريجنيف تداعب أحلام قياصرة روسيا الجدد ببناء أمجاد واهية على حساب دماء وحياة السوريين، ومستقبلهم. 


إعادة الحياة لعظام ستالين أسهل ألف مرة من إعادة الروح لمصطلح استعماري قديم سئمه الناس وكرهوه، وكرهوا أكثر وأكثر مستخدميه، ابتداءاً بدعاوى الاستعمار القديم وليس انتهاءاً ببشار وحماته الطامعين بـ (الحج والناس راجعة).
حماية الأقليات، الذريعة الواهية التي عاد إليها القياصرة الجدد بعد استفاقة متأخرة، هي سبب معلن لجلب الدب الروسي للكرم السوري. لكن ذريعة حماية الأقليات تلك لم تعد شعاراً يستوجب سوى السخرية والاحتقار لمستخدميه، وبخاصة إذا علمنا مافعلته روسيا الأورثوذكسية عبر تاريخها لمسيحيي المنطقة، الأورثوذكس منهم بشكل خاص، وهم يشهدون المذابح والقتل والتهجير على حدودها، ولم تحرك ساكناً. لا بل دعمت وساعدت القتلة بكل ما استطاعت. ومذابح المسيحيين الأورثوذكس الأرمن والسريان الآشوريين واليونان قبل مائة عام على أراضي الامبراطورية العثمانية لا تغفلها عين الراصد. وما يزيد الجرح إيلاماً أن تبارك الكنيسة الأورثوذكسية الروسية اليوم جهود المافيا الروسية-الأسدية في القضاء على ماتبقى من أحلام للشعب السوري في الحياة.
لن يُحسَد السيد دي مستورا على الحال الذي وجد نفسه عليها، وهو يخطط ويضع الأطر لتجسيد آماله في الحل السوري البعيد، عندما داهمه الدب الروسي ليقطع عليه خلوته وهو يتأمل بكل دقة تفاصيل معرض الزجاج السوري الهش، ليتحطم كل شيء في لحظة غير محسوبة. وليدرك الجميع كم كان الروس جادون في بحثهم عن أرقام متسلسلة جديدة لمؤتمرات موسكو المتقادمة بفعل سياسة الدببة تلك. فهل علينا أن نتمعَّن بما خلفه الدب الروسي وراءه من خربطة أوراق كان الوضع السوري بغنى عنها في ظل التداخل والتعقيد والحساسية التي تميزت بها الحالة السورية أصلاً.


ليس بعيداً عن ملاعب الدب الروسي تلك، جرَّبت إيران العمامة تلو الأخرى من آياتها المعصومة علَّها تضفي شيئاً من القداسة على درر سياساتها البعيدة، لكنها لم تكن يوماً أبعد عن مكة مما هي عليه اليوم. فهل ستكون مخالب الدب الروسي أقدس من كل تلك العمامات لتقربها ولو قيد أنملة؟؟؟
ولعل القريب الأبعد هو هذا العجز العربي عن ،الفعل رغم القدرة، بإلقاء شبكة المصالح لتقييد الدب الروسي بها وإبعاده ولو إلى حين عن معرض الزجاج السوري القابل للكسر عند كل صدمة غير محسوبة.
يبقى الدور الأهم للمايسترو الذي أعطى الأدوار ووزع المهام مسبقاً، والذي بات همه الأكبر الآن السهر على حسن التزام كل لاعب بدوره المرسوم له غير مكترث بآلام الشعب السوري المتوجع حتى الموت في هذه التراجيديا الإنسانية.
أما الرابح الأوحد والذي لم يستثمر فلساً واحداً في كل هذا المهرجان المسرحي فهو كما هي الحال دائماً، دولة إسرائيل (الشقيقة)!!! 
 

علِّق