نشرت في .October 24, 2015

 

* مرهف دويدري


للمرة الثانية، تفوز ثورات الربيع العربي بجوائز نوبل للسلام؛ الأمر الذي لم يعتد عليه العرب أبداً،  فقد صمتت الجائزة وحيدت العرب منذ انطلاقها عام 1901، وكانت الزلتان الوحيدتان التي جرى خلالها منحها لشخص عربي دون أن يكون حاصلاً على جنسية بديلة، هما المرّتان اللتان منحت فيهما للأديب المصري "نجيب محفوظ" عام 1988، ومحمد البرادعي عام 2005، إذا اعتبرنا أن المصري أحمد زويل حصل عليها بصفته عالماً أمريكياً!


من هنا تبرز أهمية هذه الثورات التي أسقطت بعض الأنظمة الاستبدادية، وعلى الرغم من دخول بعض هذه الدول في دوامة الحرب مثل سوريا وليبيا، وإفشال ثورة الشباب في مصر بثورة مضادّة، انقضّ عليها العسكر عبر انقلاب عسكري.
إن فوز "الرباعي" الراعي للحوار الوطني التونسي هو تكريس حقيقي وانتصار للربيع العربي، الذي بدأ من تونس مع "محمد بوعزيزي"، الذي أشعل جذوة هذه الثورات التي اجتاحت دول الاستبداد العربي، والحقيقة أن هذا الرباعي استطاع أن يجنّب تونس حرباً أهلية، كان من الممكن أن تندلع لولا هؤلاء العقلاء في تكتل الرباعي، المشكّل من (الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والصناعات التقليدية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين بتونس)، حيث عرفوا تماماً أن الحرب لا تجلب الا الخراب لتونس، حيث كانت سوريا وليبيا شاهدان حقيقيان أمامهم، لذلك كان لابد من الدعوة إلى حوار متكافئ، بلا شروط بين كل القوى السياسية والشعبية لإحلال السلام والديموقراطية في تونس، والحقيقة أنهم نجحوا في صناعة عملية سلام حقيقية، انتهت بانتخابات إعادة إنتاج نظام زين العابدين بن علي، الذي هرب من تونس بعد الثورة التونسية التي هبت ضده، إلا أنه يبقى خيار الشعب التونسي الذي استفاد من تعزيز الحوار وإرساء السلام .


على الرغم من ترشيح أسماء عديدة، قالت عنها وسائل الإعلام العالمية أنها صاحبة حظوظ كبيرة في الفوز بجائزة نوبل للسلام، إلا أن الرباعي التونسي كان صاحب الكلمة العليا في هذه الجائزة، وجرى استبعاد وزير خارجية إيران "محمد جواد ظريف"، ووزير خارجية الولايات المتحدة "جون كيري"، اللذان وقّعا اتفاق الملف النووي الإيراني، الذي يرسي السلام العالمي، كما تم استبعاد البابا فرنسيس، رئيس الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، الذي دفع إلى إعادة العلاقات الامريكية - الكوبية التي شهدت انقطاعا لأكثر من خمسين عاماً، بالإضافة إلى أسماء أخرى مثل الكاهن الاريتري "موسي زراي" الذي ساعد الآلاف على الهرب من الحرب التي مزقت إثيوبيا، وكانت الأوفر حظاً في هذه المنافسة، بحسب وسائل إعلامية عالمية هي المستشارة الالمانية "إنجيلا ميركل" التي وافقت على استقبال 800 ألف لاجئ في ألمانيا، لكن الرباعي على ما يبدو كان الأكثر تأثيراً على اللجنة!


في الحديث عن جوائز نوبل نصطدم بالشاعر السوري "أدونيس"، الذي رُشّح لنيل جائزة نوبل للآداب مرات كثيرة، إلا أنه لم يمنح هذه الجائزة العالمية، التي يجب أن تعطى، حقيقةً، لأدباء استطاعوا التأثير في مجتمعاتهم على المستوى الأدبي والأخلاقي، من ناحية  جعل المجتمع أكثر توافقية وانسجاماً في التعايش السلمي، ونبذ الأحقاد، على اعتبار أن رسالة الأدب رسالة سامية، يكون فيها الإنسان، والانحياز لهدا الإنسان هدفاً أخلاقياً، وإنسانياً، إلا أن "أدونيس" اختار أن يكون في صف الطاغية ضد الشعب، وهذا ما لا يمكن اعتباره وجهة نظر عند كاتب، إذ لطالما ادّعى أن الثورة السورية هي عبارة عن "فوضى"، أحدثها أشخاص "اتخذوا المساجد منطلقا لهم"، وهذا" يتنافى مع روح الثورات"!
متناسياً أنه كان مؤيدا لما حدث في إيران عام 1979، عندما انقلب ا"لإسلاميون" هناك على حكم الشاه، بمساعدة الدول الأوربية، وصمت الولايات المتحدة؛ هذا الانقلاب الذي أسماه "أدونيس" بـ الثورة الاسلامية في ايران"، وأيدها بكل جوراحه. لعل وجود العمامات على رؤوس القادة الإيرانيين لم تشكّل حافزاً قوياً لانتقاد هذا الأسلوب في تعاطي إدارة الدولة، إلا أن الواضح تماما أن "أدونيس"، بكلّ ما يحمله من "مبادئ علمانية" وفكرية، اتخذ من الطائفة غطاء ليبقى تحت ظله، وليساند الطاغية، الذي ورث عن أبيه دولة متهالكة، ونسي أن "الأسد" الأب قد فصله من اتحاد الكتّاب العرب، كونه عميلاً اسرائيلياً لأنه التقى بكاتب إسرائيلي في أحد المؤتمرات الأدبية في فرنسا ،ليكون الطاغية هو الحل الحقيقي لبلد أنهك بالدمار والموت، غير ان "أدونيس، لم يفهم الدرس تماماً، وهو أن من ينتصر للطاغية لا يمكن أن تكون لديه أخلاق الأديب، فلا جائزة آداب لمدّعٍ لا يحمل بداخله صفات الأديب!


وبالعودة الى عام 2011، الذي حصلت فيه الصحفية "توكل كرمان" على جائزة نوبل بالتقاسم مع الليبريتين" إلين جونسون سيرليف "و"ليما غبوي" لـ"نضالهن السلمي لحماية المرأة وحقها في المشاركة في صنع السلام" نرى أن هذا الفوز الذي كان أول انتصار لثورات الربيع العربي، وإنهاء الصمت العالمي في نيل العرب لجوائز نوبل.
وجدت جوائز نوبل لتكريس قيم احترام الإنجازات الإنسانية بالدرجة الأولى، على المستويات العلمية، والإنسانية، والأدبية، وهو ما جعلها أرقى جائزة عالمية، ودفع العالم بأسره لانتظارها، من أجل معرفة من هم الفائزين الذين سيخلدهم التاريخ، لا يمكننا إنكار أننا كعرب سنبقى طويلاً نفتخر بجائزتي السلام اللتين منحتا للعرب (الرباعي التونسي وتوكل كرمان) لتبقيا شاهدتين على أن العرب ليسوا إرهابيين، وإنما هي بدعة الأنظمة الاستبدادية في صناعة عدو يخوّلهم البقاء جاثمين على صدور شعوبهم!

علِّق