صدرت عن دار فضاءات للنشر بعمّان، رواية جديدة للصحفي والروائي السوري المقيم ببلجيكا عبدالله مكسور، حملت عنوان: "طريق الالآم"
إنها التغريبة السورية التي ترويها معجونة بمرارة الفواجع في رواية «طريق الآلام» للروائي السوري عبدالله مكسور
ينتمي النص إلى الرواية السيرية، فهو يحكي تجرية هجرة غير شرعية لشاب سوري هو الراوي الوحيد...
انشغلتُ في الأيام الماضية عن الفيسبوك .. فلم أتمكن من اعتلاء ناصية اللغة، ولا من تسجيل مواقفي على دفاتر الحضور، لم أجدد معارضتي للنظام على جدران الكلام، ولم أتمكن من تطويع اسمي "مؤيد"..، ألوي إيقاعه.. أسرق منه شبهة المفعول.. ليتناسب مع بيانات الاستنكار على كل "الإيفنتات" ، لم أنشر تعاطفي مع الضحايا "كل الضحايا" على حائط المبكى.
لقد انشغلتُ فلم أتمكن من مواساة أشرف المقداد بفجيعته من بعض "الدروز" في الجولان المحتل الذي سنحرره ..للجولان، و لا من الطبطبة على "بوستات" ماهر شرف الدين و غيره من "الدروز" المعارضين، لم يكن لدي أي مجال في الأيام الماضية لأضيف موقفا متوازنا إلى "يومياتي" ضد "الدروز" المعتدين في الجولان المحتل الذي سنرجعه ..، كما فعلت "متضامنا" مع "الدروز" الضحايا في قلب لوزة .. لم أتمكن من اقتناص الفرصة لأبدو موضوعياً أمام محكمة الفيسبوك.
لقد انشغلتُ كثيراً في الأيام الماضية إلى درجة أني تجاهلت مقصراً إعلان الحزن "فيسبوكيا" على ضحايا مجزرة الأنصاري بحلب. لم أكتب أي "بوست" لمواساتهم، ولم أعمل "شير" لصور أشلائهم، لم ألطم بما يلزم لستر عارنا، اكتفيتُ بوضع "لايك" جبان و كتابة تعليق حزين على "لطميات" " الفرندز" العابرين.. لم أحاول في الأيام الماضية أن أثبت حسن سيرة و سلوك لدى شرطة الفيسبوك.. كنت محظوظا .. فقد كنت مشغولا عن الفيسبوك ..
لقد انشغلت كثيراً.. و فاتني المشاركة في الكثير من مآتم العزاء الطلق على الفيسبوك، لم أنظر في وجوه المعزين، و لم أتمتم متحسرا: "الله يرحمو .. الله يصبر أهلو و محبيه"، لم أعانق صاحب العزاء .. لم أهرب من النظر في عيونه المقهورة إلى فنجان القهوة المّرة، لأني بالأساس لم أكن موجودا .. لقد كنت مشغولا ..
في الأيام الماضية كنت مشغولا، فلم أنشر صورة للمرحوم "عمر الفرّا" تجمعه بي، ولم أشارك كثيراً في النقاشات التي أكدت انحيازه للنظام، لم يكن عندي مجال لأقول أن "التلفزيون السوري أهان الذائقة السورية حينما ألح علينا بــ "حمدة""، و هذه العبارة بالتأكيد كانت ستنال إعجاب "كنان قوجة" و لكني فوتُّ عليه الفرصة لأني كنت مشغولا ..
نعم لقد أبعدني الانشغال في الأيام الماضية، فلم أتمكن من تسجيل موقف معارض لأي محاولة انفصالية كردية، ولا حتى التأكيد على أننا أهل و تُهنا معا في أحد الأيام في جنوب الجرح، فوجدنا أنفسنا وجها لوجه مع الريح ..، لم يكن متاحا لي أن أكتب أن "جارتنا "أم آزاد" كانت تنادي اسمي حينما كانت تقصد ابنها "جوان" كي يذهب ليشتري الخبز من فرن ابن العميد.. "كان كلانا يجيب".
لم أتمكن من توجيه اللوم لنصر الدين أحمة "أبو رامان" الذي اعتقل في 15/3/2011 من أمام وزارة الداخلية " الله يسامحو على هالعملة" ، فاتتني تعليقات لقمان ديركي الذي نحمد الله أنه لم يعتقل كي نظل "نسمع" ضحكته "ههههههههه" حينما أقول له بكل جدية: إن قضيتكم قضيتنا، و جرحكم يؤلمنا، لذا يجب أن تنالوا كامل الحقوق و اسألوا سليم بركات..، هذا الانشغال أيضا حال دون أن أتخذ وضعية المثقف الهادئ و المتزن و" الوازن" من خلف شاشة اللابتوب، لأقدم كل التطمينات لجمهور محاكم التفتيش .. على ..؟؟ طبعا على الفيسبوك!!!!.
الانشغال أبعدني في الأيام الماضية، ولم يكن لدي ترف الوقت ولا راحة البال لأناقش حقوق المثلييين و ضرورة أن يحظوا بسهرة قانونية و بالألوان، بينما تستيقظ صباحا و تقرأ العنوان التالي: "طفل يموت تحت التعذيب و بدم بارد"، و ذنب الطفل أنه اختار أن يخزن على جواله أغنية "ارحل"، كان علينا بعد ذلك الصباح أن ننهض من أسرتنا.. نفتح النافذة .. نبول على العالم..، نرشق وجه الطغاة باللعنات..، ثم نعيد أغنية "ارحل" إلى جوال الطفل الذي أراد يوما أن يسمع أغنية "ارحل" .. قبل أن يموت تحت التعذيب و بدم بارد.. وهنا كان لابد لي من تنفيذ وصايا جدتي التي كانت تمنعنا من مشاهدة توم و جيري و برنامج أرضنا الخضراء إذا مات أحد المسنين في القرية و على مدى ثلاثة أيام، كانت أحزان العجائز تشاركنا طفولتنا، كان علينا أن نكون نبلاء في ضحكتنا أثناء حزن الآخرين، هذا يعني أننا لن نشاهد أم عمار و ما يطلبه الجمهور، أو لن نشاهد برنامج حماة الديار كأبعد تقدير ... كنت سأحاول شرح الأمر " لآبلة مكرسح" التي أحب أن أقول لها يا عزيزتي .. ثم ألحقها .. طيب "روئي روئي" .. و لكني كنت منشغلا، و لو لم أكن كذلك لقلت لصديقتي "سندريلا" التي تبنت القضية: أنت منفصلة عن الواقع " انتو يلي عديمين حرية .. انتو يلي مو كول و مو أكابر" .. تخيلت رد فعلها و كيف تتحول إلى "أبو عبدو" في غضون "كومينت" واحد تشهره سيفا على منصة الاتهام.. في قاعة المحكمة على "هوم" الفيسبوك.
نعم كنتُ منشغلاً فلم أتمكن من القول لكل مناصري القضية: "آخ" القصة ليست بهذه الأهمية، علينا تبني قضايانا..، كان صوتي مبحوحا، بينما كنت مشغولا ..
إذاً ابتعدتُ عن الفيسبوك في الأيام الماضية لانشغالي، فلم أعزّي محكمة الفيسبوك بضحايا عين العرب، و لم أؤكد رأيي بأن داعش لا تمثل الإسلام و أن الإسلام بريء منها، لم أنوه إلى أنها لعبة مخابراتية كونية تقف خلف داعش، كنت مشغولا فلم تكن الفرصة متاحة لأجادل بالتعليقات أو أعترض "باللايكات" أو حتى أن أَحْتَدَّ "بالبلوك"، و ذلك بينما أحاول الدفاع عن مقاصد الإسلام أمام "قضاة الفيسبوك " فأنالُ لايكاتهم، أُرضي ضميري، و أكسبُ المزيد من الحسنات.
لقد خدمني انشغالي في الأيام الأخيرة كثيرا، فلم أتمكن من الدفاع عن الإسلام عن طريق تعليق ناري على بوست حامي لأشير إلى أن الإسلام ليس إرهابيا، أنقذني انشغالي هذا من سماع كلمة "كافر" مكتوبة على صاروخ عابر "للبيجات و الجروبات" ، تفاديت أي عملية انتحارية تستهدف "الإنبوكس"، حرمتهم من اغتنام رسائلي و ما يتركه المحبون في " صندوقي"..، حميت "منشوراتي" من هاون جهادي ينسف مقاصدي، وصنت ظهري من خناجر سوء الظن وما بعده من إثم، فرحت لأن رقبتي المترنحة في صورة البروفايل الخاصة بي نجت من الذبح الجماعي على "الهوم" ..
نعم أنا السوري العادي المهجَّر، التائه و الوحيد، المقتول و الطريد، المعتقل و الفقيد، كنت مشغولا خلال الأيام الماضية أتوسل كل المحاولات فقط لأسمع صوت أمي ..
علِّق