نشرت في .December 03, 2015
الناشر تاريخ النشر الكاتب ترجمة الرابط الأصلي للمادة
الديلي بيست- the daily beast 3 كانون اﻷول (ديسمبر), 2015 Michael Weiss ديمة الغزي اضغط هنا

 "وضعوا قفصاً في هذه الساحة". هذا ما قاله أبو خالد وهو يصف المكان الذي يقيم فيه داعش أحكام عدالته في مدينة الباب السورية، حيث كان أبو خالد حتى وقت قريب موظفاً في جهاز أمن ما يعرف بالدولة الإسلامية. إنه نفس المكان الذي يتم فيه قطع الرؤوس بين حين وآخر. لكن القفص يبقى دائماً هناك، وغالباً ما يحوي أحداً ما بداخله.

امتدت لقاءاتي مع الرجل الذي سنسميه أبو خالد على مدى ثلاثة أيام في الشهر الماضي في اسطنبول، أخبرني في إحداها بأن التنظيم "يُبقي الناس في القفص لثلاثة أيام، مع إعلان سبب بقائهم فيه. وفي إحدى المرات شهد رجل زوراً في المحكمة فوضعوه في القفص لثلاثة أيام، وآخر وُضع فيه لأنه كان يمضي الوقت برفقة فتيات لم تربطه بهن قرابة أو زواج، فمكث فيه ثلاثة أيام. أما التدخين فقد يؤدي بك إلى البقاء فيه يوماً أو اثنين أو ثلاثة.. حسب الحالة".

كان أبو خالد يصف مكاناً قد رأيته من قبل، فقد كنت في الباب خلال رمضان عام 2012 في الأيام الأولى للثورة، عندما كانت البلدة ما تزال تحت سيطرة الثوار المحليين، وشهدت كيف كانت تلك الساحة نفسها تعج بالحركة والحياة ليلاً عندما يسخّر النشطاء والثوار والمدنيين أنفسهم لتنظيف المكان (جيش عمال النظافة الحر)، كانوا يجمعون المخلفات والأنقاض من الشوارع عقب قصف النظام، ويحرسون المشافي الميدانية التي أقيمت في أقبية المساجد المحلية بعد تدمير مشفى المدينة الرئيسي من قبل الجيش السوري.

وكان في المدينة مقهى يستقبل الرواد طوال الليل في تلك الأيام، يتفرجون على الأخبار العالمية ويشربون العصائر ويدخنون الأرجيلة, ويتبادلون الأحاديث في شتى المواضيع دون الخوف من تنصت مخابرات الأسد. ذهب كل ذلك الآن كما أكد لي أبو خالد، فالمقهى قد أغلق أبوابه، ولا أحد يخرج مساءً من بيته بسبب حظر التجول الذي فرضه داعش، وعلى السكان دائماً أن يحذروا مما يتفوهون به ومع من يتحدثون.

يشبه أبو بكر البغدادي كلاً من بشار الأسد وصدام حسين في كون أكبر هاجس لديه هو الاختراق، لذا يبدو أن كل المصائد التي ينصبها التنظيم للإيقاع بأفراد الطابور الخامس والعملاء الدخيلين عليه ترتكز على معاقبة الاختراق قبل وقوعه، فلا بد من ضخ الخوف ليحجم الناس حتى عن التفكير بمقاومة من هذا النوع. وفي خضم هذه الحملة المحمومة.. لا بد من استهداف التنظيم لواحد من أتباعه، فقد ذكر أبو خالد أنهم "في إحدى المرات قطعوا رأس رجل كويتي قالوا أنه يعمل مع المخابرات البريطانية. وكتبوا على جثته أنه كان جاسوساً بريطانياً، رغم أنه كان رئيس دائرة الأَمنيّات في الباب". وبوجه خالٍ من التعابير سحب أبو خالد نفساً عميقاً من سيجارة المارلبورو واحتسى رشفة من الشاي في المقهى الاسطنبولي الذي كنا نتحدث فيه.

 

قال أبو خالد الذي انشق عن داعش أن هذا الهاجس له ما يبرره، فهو يجزم أن التنظيم غارق في الجواسيس والمخبرين القادمين من كل حدب وصوب. إذ قال عن رجل روسي في الرقة تبين أنه يعمل لمخابرات فلاديمير بوتين: "لديهم فيديو يوثق اعترافه، لا أعلم إن كان تحت الضغط أو التهديد، لكنه اعترف". كما اتُهم رجل آخر فلسطيني بالعمل مع الموساد، وتم إعدام كليهما. وسرد أبو خالد الجرائم التي تمثل خيانة عظمى: "العمل مع الجيش السوري الحر يؤدي إلى الإعدام. العمل مع المخابرات السورية، سي آي ايه، أو الأجانب.. عقوبته الإعدام"

ثمة مثال واحد بقي عالقاً في ذاكرته، "ذات مرة أعدموا رجلاً كان يلقي بشرائح الهاتف الخليوي (SIM) في مناطق الأجهزة الحكومية لداعش". اتضح بعدها أنه يعني أجهزة تتبع إلكترونية مبنية على الأرجح على نظام الـ GPS، وهو شبيه بشرائح تتبع موجات الراديو التي تبث إشارات يمكن تتبعها من قبل طائرات التحالف النفاثة وغير المأهولة. "كان يضعها ليدل طائرات التحالف على أهدافها. اعتقلوا الرجل وقطعوا رأسه وتركوا جثته ورأسه ليتعفنوا في الساحة لمدة ثلاثة أيام، وكان رأسه قد شُكَ على حربة."


*  * *

يوظف داعش شرطة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمحافظة على أحكام الشريعة، شأنه في ذلك شأن الكثير من المملكات أو الديكتاتوريات الدينية. وعند داعش يعرفون بالحسبة.
لم يعجبك الخبز عند المطعم؟ أخبر الحسبة. أتعتقد أن المطعم غير نظيف أو تسرح القوارض فيه؟ أخبر الحسبة. قال عنهم أبو خالد "إنهم صارمون.. وإن وجدوا مطعمك غير نظيف أغلقوه لمدة 15 يومٍ حتى تصلح المخالفة". وطبعاً ما تتناوله في دولة الخلافة يخضع لرقابة شديدة، فشرب الكحول حرام، وإن اكتُشف أمرك بأنك تشربه فعلى الأرجح ستُعاقب بثمانين جلدة هناك في الساحة المركزية في الباب.          

         
يقول أبو خالد: "يطوف أعضاء الحسبة الشوارع ليتفحصوا أعمال الناس. وفي الباب هناك حوالي 15 إلى 20 منهم. ليسوا كثراً لكنك تراهم في كل مكان. يقودون سيارة تحمل مكبر صوت يصرخون فيه قائلين: حان وقت الصلاة! اذهبوا إلى المسجد! هيا بسرعة! أغلق دكانك. وأنت يا امرأة.. غطي وجهِك!". وأضاف أبو خالد قائلاً: "تعيش النساء في حالة خوف في الباب. ترى الواحدة منهن تمشي في الشارع وهي أحياناً لا تستطيع الرؤية ليلاً بسبب النقاب، إذ تصعب الرؤية من خلاله في النهار فما بالك في الليل؟ ثم تسمع من يقول: غطي رأسِك.. اذهبي إلى بيتك".

لكن داعش لا يمكنه أن يعتمد على عامل الخوف فقط ليسيطر، وعليه أن يجلب مجندين جدد طوال الوقت، لذلك يعد التلقين جزءً كبيراً من برنامجه. فهو يرحب بالمتطوعين الجدد القادمين من الجيش السوري الحر المكروه، ومن الميليشيات الإسلامية المختلفة، أو من جبهة النصرة - فرع القاعدة في سوريا الذي انفصل عنه داعش في 2014. لكنه يجعل انضمام كل مجند جديد أصعب ويحد من خياراته في التعيين. فعندما ينضم إليه شخص سبق له العمل مع فصيل منافس يتوجب عليه أن يخضع لبرنامج إعادة تعليم على النمط الماوي (مذهب يجمع بين الماركسية واللينينية) لمدة ثلاثة أشهر ويعلن "توبته"،وعليه أن يلتزم بقية حياته بأوامر الدولة بما يمكنه أن يفعله وأين يمكنه أن يذهب.

 

وشرح أبو خالد الأمر كما يلي: “لا يمكنك البقاء ولا العودة إلى مدينتك الأم. لنفترض أنني من الباب وكنت مع الجيش الحر. والآن أريد الانضمام إلى داعش. حسناً.. علي حضور الدورة لمدة ثلاثة أشهر، ثم يرسلوني بعدها إلى مكان ما لمدة عام، ولا يحق لي أن أعود إلى الباب".

ولأن دولة الخلافة تريد أن تحول أجيال المستقبل إلى سيافين بإرادتهم نجدها تحرص على تعليم الصغار أيضاً. وعلى هذا الصعيد تمت دعوة المعلمين الذين عملوا في سوريا سابقاً إلى العودة إليها لتعليم الطلاب في المدن التي يسيطر عليها داعش، ولكن قبل بدئهم بذلك عليهم حضور بعض الدروس لمدة ثلاثة أشهر وإعلان توبتهم عن العمل مع النظام. ويعد التنظيم التعليم في المنازل حراماً لأنه لا يمكنه التحكم في المنهج الدراسي حينها. ويعرف أبو خالد مدرساً للغة الإنجليزية تم اعتقاله بسبب تعليمه للطلاب في منزله.

هناك أيضاً مزايا وتسهيلات لمن يتمتع ببعض النفوذ في الدولة. فأبو خالد -كغيره من أعضاء داعش- كان يتلقى 100 دولار أمريكي شهرياً بأوراق البنكنوت الأمريكية، وليس بالليرة السورية رغم كونها العملة المتداولة في الباب، وهناك بعض مصارف العملات في المدينة التي يقصدها موظفو داعش ليحولوا رواتبهم إلى العملة المحلية، رغم ندرة الحاجة للقيام بذلك مع العطايا التي تصلهم من التنظيم.

 

قال أبو خالد موضحاً: "استأجرت منزلاً دفع داعش أجاره البالغ 50 دولاراً في الشهر، كما دفع فاتورة الكهرباء. وعندما تزوجت حصلت على 50 دولار إضافيٍ في الشهر لزوجتي. وإن كان لديك أولاد حصلت على 35 دولار لكل منهم، وإن كان والداك معك تحصل على 50 دولار أخرى لكل منهما. إنها دولة تعنى بمواطنيها. لهذا السبب تجد الكثير من الناس ينضمون. أعرف عامل بناء كان يتقاضى 1000 ليرة سورية في اليوم، وهذا لا يكفي لشيء. انضم لداعش وأصبح يحصل على 35 ألف ليرة: 100 دولار له، و50 دولار لزوجته، و35 دولار لأولاده. إنه يتقاضى ما بين الـ 600 والـ 700 دولار في الشهر الواحد. فتخلى عن مهنة البناء وتحول إلى القتال، لكنه انضم بسبب المدخول".

يفضل داعش الدولة المنظمة ويعمل على تحقيق ذلك في دولته عبر ديوان الخدمات الذي نلاحظ فيه أيضاً تنظيماً محكماً بشكل مدهش. فهناك قسم للنظافة وقسم للحدائق وقسم لتراخيص البناء وآخر للكهرباء، كما يضم قسماً يعنى بزراعة الأراضي التي اشتراها التنظيم أو صادرها من أعداء الدولة كما يحصل في أغلب الأحيان، إذ يصادر التنظيم جميع ممتلكات المطلوبين الفارين، وبحسب أبو خالد "الأراضي.. البيوت.. الدكانين.. كل شيء. كانت البناية التي سكنت فيها في الباب ملكاً لشخص اتهموه بالعمل مع النظام، لذا استولوا عليها برمتها، وقدموا أمر إخلاء لكل السكان فيها جاء فيه: معكم 24 ساعة لمغادرة المبنى".

هناك أيضاً ضرائب مفروضة على كل أصحاب المتاجر ويحصلها فريق الجباية، ومن الأفضل لك التعاون معهم وعدم محاولة الغش أو التهرب. كما يقوم أهل الحسبة بجولاتهم كذلك للتأكد من قيام المتاجر بالتزامهم بالتسعيرة المناسبة للبضائع والخدمات وضبط دفاتر الحسابات، حيث قال أبو خالد "عليك أن تدفع نسبة معينة، 2.5 بالمئة من إجمالي المبيعات لداعش" .. وعندما سألته "وهل تأخذ الحسبة جزءً فوق ذلك؟" أجاب أبو خالد بنعم.

وتسعيرة الكهرباء -مع شحها- تخضع لرغبة داعش تماماً. ويستطرد أبو خالد قائلاً  "عليك أن تدفع فاتورة الماء، وفاتورة للمدينة وللتنظيف وجمع القمامة. كما عليك أن تدفع ضرائب عند إدخال أي شيء إلى الدولة.. خضار أو فواكة.. أي شيء من تركيا أو مناطق الجيش الحر تُستحق عليه ضرائب." كما يحصّل التنظيم الغرامات المالية لكل أنواع المخالفات المدنية، وخاصة تدخين السجائر أو تهريبها. وهذا موضوع ذو شجون بالنسبة لأبي خالد وهو المدمن على التدخين، لكنه يدرك أنه مصدر دخل كبير لدولة الخلافة. فالسجائر، كالكحول، محرمة لمضارها على الجسم. ولكن مع رغبة كل سوري تقريباً بالتدخين، أدرك داعش أنه يمكن أن يجني الأرباح من وراء التهريب الذي سيحصل لا محالة. وقص علي أبو خالد أنه "جاء رجل سعودي لزيارة جاري، دق على بابه ثم على بابي وكنت قد استخدمت معطراً للجو ليطغى على رائحة السجائر، سألني أين جاري فأجبته بأنني لا أدري، فقال: أشم رائحة زكية من منزلك، يا رجل.. أعلم أنك تملك السجائر.. أرجوك هلا سمحت لي بالدخول لأدخن؟"

وهكذا اقترن الغموض القرآني بالواقعية الاقتصادية في كل مناحي إدارة داعش. ففي مجال الآثار مثلاً التي يعود معظمها في العراق وسوريا إلى عصور الأنبياء، يعلن داعش أنها وغيرها من القطع الفنية من عصور ما قبل الإسلام والتي كان الناس يقدسونها يوماً يجب أن تدمر، أما كل القطع الأخرى مثل العملات البابلية أو الرومانية فهي صالحة للبيع في السوق السوداء العالمية التي تغص بالمشترين. ومما لا شك فيه أن كون هذه الآثار الأصغر حجماً ليست وثنية يتوافق مع منطق داعش بخصوص الآثار، وفعلياً تكون فقط التماثيل العملاقة التي يصعب حملها في السر ونقلها إلى تركيا أو كردستان العراق هي المقصودة بالتدمير.

هناك الكثير من التنازلات والطرق الملتوية التي يجب أن تتبعها الدولة لتبقى قوية، وقد قدم أبو خالد مثالين على استخدام  داعش المقايضة والابتزاز مع أعداء معروفين. فالنفط طبعاً مصدر دخل كبير، ويسيطر داعش على جميع حقول النفط السورية في الشرق، مما يجعله المصدّر الأساسي للطاقة في سوريا وبالتالي يتيح له ابتزاز الدولة من خلاله. كما يعد معبر باب السلامة المنفذ الوحيد لداعش إلى شمال سوريا ومنه تعبر الشاحنات التي تغذي دولة الخلافة برمتها من حلب إلى الفلوجة، "تخيل إذاً كمية الشاحنات التي تعبره يومياً" كما قال أبو خالد.

إلا أن معبر باب السلامة على الجانب السوري يقع تحت سيطرة ثوار غير مرتبطين بداعش، وهو تحت سيطرة الحكومة التركية على الجانب التركي. لماذا إذاً لا يغلقه أحد الطرفين ويقطع سبل الدخل على داعش؟
وضح أبو خالد السبب قائلاً "لأن ذلك ليس خياراً متاحاً.. فداعش يملك النفط، وعندما أغلق الثوار المعبر آخر مرة قبل رمضان بقليل، جاء رد داعش بإغلاق آبار النفط. فارتفعت أسعار النفط في سوريا، وتوقفت المخابز لعدم توفر الديزل، كما توقفت المشافي والسيارات.. توقف كل شيء".

هذا بالإضافة إلى أثر آخر غير مباشر أفرزته سياسة داعش في ليّ الذراع بالنفط، فقد قال أبو خالد أن كل شيء في سوريا يعمل على المولدات الآن، "لدي مولدة ضخمة تستطيع تشغيل منطقة محدودة، والناس يدفعون لي ليستفيدوا منها". وبسبب السعر المخفض الذي يحصل عليه لقاء وقود الديزل بحكم كونه عضواً في التنظيم (سدس تكلفة المدنيين) أصبح أبو خالد شركة كهرباء صغيرة لوحده.

 

ومن المعروف أيضاً أن داعش يبيع النفط للأسد إذ وضح أبو خالد بقوله "في حلب لا تتوفر الكهرباء للناس إلا لمدة ثلاث أو أربع ساعات في اليوم. ومحطة توليد الكهرباء موجودة في السفيرة بالقرب من مطار كويرس، وهي منطقة واقعة تحت سيطرة داعش. يدفع النظام ثمن الوقود لتشغيل هذه المحطة، ويدفع رواتب العاملين فيها كونهم مختصين في مجالاتهم ولا يمكن استبدالهم، فيأخذ داعش 52% من منتوج المحطة من الكهرباء وتكون الـ 48% الباقية من نصيب النظام، هذه هي الصفقة التي عقدها داعش مع الأسد".

ومع كل ما يفعله داعش ليثري وجوده، لم ينسَ التنظيم الاعتناء بمواطنيه العاديين، فقد صمم شبكة دعم اجتماعي في دولته أهم ما فيها هو ضمان البغدادي لرعيته من المنتسبين للتنظيم رعاية طبية مجانية، وبإمكان كل من يسكن في ظل دولة الخلافة أن بتقدم بطلب للحصول على نفس الرعاية المجانية على أن يثبت حاجته لها. "يمكنك أن تذهب إلى الطبيب أو المشفى مجاناً وإن لم تتوفر الرعاية المطلوبة في أراضي الدولة وتوجب عليك السفر للحصول عليها في الخارج، فإنهم يغطون تكاليف ذلك مهما عظمت، إن أصبت بالسرطان واحتجت لعلاج كيماوي في تركيا، سيتكفلون بدفع المصاريف كلها بما في ذلك مصاريف الإقامة، حتى وإن بلغت عشرات الآلاف من الدولارات."

ولا تسمع الأطباء يتذمرون من أي خسائر لأن مهنة الطب هي من أكثر المهن المربحة في الدولة، فالأطباء يتقاضون ما بين 4 و5 آلاف دولار أمريكي شهرياً لإغرائهم بالبقاء وعدم الهرب إلى تركيا. لهذه الأسباب يصف أبو خالد سوريا بأنها "جهاد خمس نجوم"، على الأقل مقارنة بالحال في العراق. "لا يوجد شيء هناك، ولكن عندما تأتي إلى الباب تجد المقاهي والرفاهيات. بإمكانك عيش حياة كريمة هنا".
ماذا إذاً يمكن أن يدفعه أو يدفع أي شخص آخر إلى ترك كل ذلك؟ كان جوابه "بسبب ما رأيت في المزرعة".

“أعرف شخصاً يملك مزرعة، كان يعثر على جثث مدفونة فيها كل مرة كان يذهب إليها، جثث تعود لأناس قتلهم داعش وألقى بجثثهم في مزرعته". وكلما حرث هذا المزارع الأرض عثر على المزيد من الجثث. "كان يكشف عن قدم أو يد كلما حفر في الأرض".

وبطلب من المزارع ذهب أبو خالد لمقابلة أمير الباب ليشكو له مشكلة الجثث، فقال الأمير أنه سيتحرى في الأمر ويطلع أبا خالد على ما يصل إليه. "بعد عدة أيام رأيت الأمير في الشارع فسألته: ماذا تبين لك؟ فقال: لسنا نحن من يفعل ذلك، ولا نعلم من يرمي هذه الجثث هناك". هل صدق أبو خالد ما قاله الأمير؟ طبعاً لا، ولكن "لا يمكنك أن تقول للأمير أنه كاذب".

بعد عدة أيام قال المزارع لأبي خالد أنه يريد أن يريه شيئاً، وقال أن داعش أصبح يلقي الجثث فوق التراب بعد أن كان يضعها في قبور ضحلة  سابقاً. وصف أبو خالد المشهد بقوله "ملأت الجثث أرض المزرعة، بين أشجار الزيتون.. كانت في كل مكان". فما كان منه إلا أن عاد إلى الأمير وأخبره بأنه يجب أن يذهب ليرى بنفسه، وافق الأمير وطلب من أبي خالد أن يركب معه في سيارته، وهي BMW موديل X5 تحديداً، وقادها إلى المزرعة.

سيارة الأمير BMW؟ سألت أبا خالد، فأجاب "نعم". وقلت له: سيارتك جميلة، فقال: "الحمد لله، الدولة الإسلامية غنية جداً!".

وجد أبو خالد الجثث، إلا أن الأمير أصرّ على عدم مسؤولية داعش عنها. لكن أبا خالد حصل على دليل يثبت عدم صحة ذلك، فقد عثر بين الجثث على جثة الرجل الذي تم اعتقاله وقطع رأسه لرميه شرائح "SIM" في مواقع استراتيجية في الباب، فيما يفترض أنه لمساعدة قوات التحالف ضرب أهدافها. وقال أبو خالد "تعرفت عليه لأنه كان يرتدي بدلة أديداس لونها أبيض وأسود. وقلت حينها للأمير: دعك من ذلك.. إنه صنيعكم". وبعد 24 ساعة من ذلك اتصل الأمير بأبي خالد وقال له: "نريد أن نشتري المزرعة، فسل المزارع كم يريد ثمناً لها".
 

  • Michael Weiss

التعليقات

موضوع مفيد جداً ومحكم الصياغة شكراً لموقع السوري الجديد

الصفحات

علِّق