صورة eoscars
نشرت في .January 13, 2015
الناشر تاريخ النشر الكاتب ترجمة الرابط الأصلي للمادة
Huffington Post Louise Ridley ديمة الغزي اضغط هنا

من أكثر الحجج التي يسوقها الملحدون هي أن الأديان هي السبب الرئيس وراء الحروب.  وعلى حد زعمهم إنه لولا الدين لما شهدنا هجمات 11 سبتمبر أو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي أو مشاكل ايرلندا الشمالية أو أية نزاعات عنيفة بسبب كلمات في كتب مقدسة.. بل ولا حتى الدولة الإسلامية.
ويحاجج أكثر الملحدين البريطانيين شهرة ريتشارد دوكنز بأن الدين كان سبباً رئيسياً للعنف والحروب عبر التاريخ حيث قال في مذكراته التي كتبها عام 2013 "الدين هو العلامة الرئيسية والأخطر التي بموجبها نقسم أنفسنا إلى طرفين: نحن وهم". وأضاف أنه لو ألغي الدين لأصبحت الفرصة أكبر بكثير لعالم بلا حروب، كما كنا لاحظنا انخفاضاً في منسوب الكراهية لأن الكثير منها يعود للطائفية كما في ايرلندا الشمالية والهند وباكستان على حد تعبيره.
لكن الدراسات الأكاديمية دائماً ما تدحض تلك النظرية التي تربط ما بين الحروب والدين. ففي بحث نشره معهد نيويورك وسيدني للاقتصاد والسلام في أكتوبر تبين أنه عموماً لا توجد علاقة بين الدين والنزاعات في أي من الحروب التي اندلعت في 2013. ومن بين خمسة وثلاثين نزاعا مسلحا خمسة فقط (14%) كانت أسبابها المباشرة مرتبطة بالدين. في حين غاب العامل الديني تماماً في أربع عشرة حالة أخرى (40%). واشتركت جميع الحالات قيد الدراسة في تعدد مسبباتها، وكانت أكثر الأسباب شيوعاً هي ما تعلق بمعارضة الحكومة أو النظام الاقتصادي أو الايديولوجي أو السياسي أو الاجتماعي للدولة حيث برزت في ثلثي الحالات التي تمت دراستها. كما نجد في موسوعة الحروب – وهي دراسة شاملة لكافة الحروب الألف وسبعمائة وست وثلاثين عبر تاريخ الإنسانية – أن الحروب الدينية في طبيعتها لم تتجاوز المئة وثلاثة وعشرين حرباً.. أي أقل من 7%.
من ناحية أخرى أسفر تقرير معهد الاقتصاد والسلام عن نتيجة مفادها أن انحسار الدين في دولة ما لا يجعلها تلقائياً تتمتع بالسلم أكثر. ونسبة الملحدين في الدولة لا علاقة لها بمستوى السلم فيها. فالدول التي تعلو فيها نسبة الملحدين – بالأخص الدول الشيوعية أو التي كانت شيوعية مثل روسيا والتشيك – لم تنعم بالسلام. وبحسب التقرير أيضاً كانت كوريا الشمالية ضمن لائحة الدول العشر الأقل سلاماً رغم أنها الأقل نسبة من حيث عدد السكان المنتمين إلى ديانة ما.ش
لماذا يبرز الدين إذاَ في أغلب النزاعات؟
يقول جون وولف – البروفيسور في الجامعة المفتوحة – أنه عندما يكون الواقع معقداً يتم توصيف الصراعات بأنها دينية كوصف مقتضب لها. ويضيف "حتى عندما نرجع بالتاريخ إلى ما يعرف بالحروب الدينية في القرنين السادس عشر والسابع عشر فيما بعد حركة الإصلاح البروتستانتي في غرب وشمال أوروبا نجد أن العامل الديني كان مهماً ولكن يتبين أنه كان هناك أيضاً تأُثير الأسر الحاكمة والسلطة والاقتصاد التي كان من شأنها تحريك الحروب. ويختم جون بقوله "لعلني أتفق مع الطرح القائل بأنه تم توريط الدين في معظم الحروب، لكن القول بأن الدين هو المسؤول عنها هو تحريف للأدلة."
كذلك تعتقد الكاتبة الأسترالية المسلمة ريتشل وودكوك أن الانقسامات الدينية أصبحت واضحة أكثر في الحروب الحديثة. وتقول في كتابها "لفهم الإله" أن أهمية الدين قد تصاعدت اليوم بسبب العولمة التي تتحدى وتغير كل شيء. وأن الهوية الدينية لا تتأثر عندما تنهار التحالفات السياسية والقومية لا بل تزداد أهمية كما رأينا في يوغوسلافيا سابقاً في أوائل التسعينات عندما انقسم الصربيون والكرواتيون والبوسنيون إلى أورثودوكس وكاثوليك ومسلمين.
كما أشارت وودكوك إلى الديكتاتور صدام حسين الذي استخدم السلاح الكيماوي ضد الأكراد بينما ظهر على شاشات التلفاز وهو يصلي لله. وقالت في الكتاب "للأسف يوفر الدين غطاء مناسباً ومحركاً قوياً لأصحاب النوايا السيئة. في الحقيقة يكون الدين مختلفاً تماماً عندما يمارسه المتعطشون للسلطة عما يبدو عليه عند الأتقياء والصالحين، وهذا يدل على نفسية الإنسان أكثر مما يدل على الدين. ولذلك نرى الكثير من النزاعات الإنسانية تحوم حول الدين"
وفي ايرلندا الشمالية نلاحظ أنه يتم توظيف الخطاب الديني من قبل الطرفين وبالأخص في حالة القس البروتستانتي إيان بيزلي الذي قال عن البابا أنه عدو المسيح. لكن وولف - الأستاذ في الجامعة المفتوحة - يقول أنه قد تم تضخيم دور العوامل الدينية في النزاع الدائر في ايرلندا الشمالية. "التوصيفات الشائعة هي كاثوليك وبروتستانت بدلاً من قومي واتحادي مما يساهم في خلط الأمور. وكان هناك الكثير مما يجري خلف الكواليس مما لم يتطرق له الإعلام من مصالحات وما إلى ذلك. لقد كان بيزلي شخصاً واضحاً ومؤثراً في طرف البروتستانت وبنى مواقفه على أسس دينية، لكني أعتقد أنه لم يكن ممثلاً جيداً لتلك الشريحة بشكل عام"
ولعل المجتمعات الغربية تميل إلى إلقاء اللوم على الدين فيما يخص الحروب في الشرق بسبب الاختلافات الثقافية. فقد أشار عدد من الأكاديميين إلى حقيقة أن مفهوم الدين يختلف كلياً ما بين الشرق والغرب. ومنهم كارين آرمسترونج الراهبة الكاثوليكية سابقاً حيث جادلت في كتابها "حقول الدم" أن كلمة الدين بمفهومها الغربي لا يمكن ترجمتها حرفياً في المجتمعات غير الغربية. فالغرب يعد الدين أمراً شخصياً بينما يرتبط الدين ارتباطاً وثيقاً بالسياسة في الشرق.
وقد وضح البروفيسور بيتر موري من جامعة لندن الشرقية بقوله "يعد الدين في المناطق الأخرى من العالم طريقة حياة.. في حين أنه معزول عن الحياة المدنية في الغرب العلماني. وعندما ننظر للحروب في شتى أطراف العالم الأخرى نخال الدين هو المحرك الأساسي لها بينما واقعياً ليس من السهل تحديد دور العامل الديني بهذا الشكل"
يتجلى ذلك في صعوبة تحديد تأثير الدين في أكثر النزاعات فتكاً اليوم عند الدولة الإسلامية. ويرى موري أنه حتى في هذه الحالة الحقيقة ليست واضحة كما نتخيل ويقول "إن الحلم الأكبر لتنظيم الدولة هو إعادة حكم الخلافة الذي كان يوماً ما امبراطورية دينية وسياسية في الوقت نفس. واستخدام التنظيم لكلمة إسلامية في اسمه يلعب على استحضار صورة المسلمين في وقت كانوا فيه قوة عظمى. لكن السلالات الحاكمة في ذلك الوقت كالعثمانيين كانت أولاً وأخيراً سياسية وفي كثير من الأحيان اتسمت بطابع قومي".
كما يلفت موري نظرنا إلى حسن توظيف الدولة الإسلامية للغة وللهوية الدينية في خدمة مصالحها: "لقد بدأ الغرب بوصم نفسه بالعلمانية والتحضر وأنه يعادي الآخر المسلم. وقد استغلت الدولة الإسلامية ذلك لتؤكد على روايتها في حربها مع الغرب على أنها صراع بين الحضارات".
كيف إذاً يستغل الإيمان لإذكاء جذوة العنف؟ يرى البروفيسور توم سوريل من جامعة وارويك أن الدين مقارنةً بالايديولوجيات الأخرى يخلق الشقاق بطبيعته إذ يقول "يبدأ الدين دوماً بتحديد التعاليم التي يجب اتباعها. وعندما يحدث شيء ما يحيد عنها يتملك الناس سخط وغضب شديدان. وكلما كانت تلك التعاليم محددة بوضوح أكثر كلما كان الشقاق أكبر. فالكنيسة الانجليزية مثلاً لم تتسبب إلا بالقليل من الخلافات لأن مذهبها حديث العهد نسبياً  وتعاليمها مبهمة بعض الشيء." ويضيف أن التطرف – بمعنى اتباع تعاليم دين ما بصرامة -  يمكنه بسهولة أن يؤدي إلى العنف لأن "الناس مستعدة للموت من أجله".
لكن الدور الإيجابي الذي يلعبه الدين في تحقيق السلام لا ينال التغطية المناسبة في الإعلام بحسب معهد الاقتصاد والسلام. فقد وجد المعهد أن الانخراط في أي مجموعة – دينية أو رياضية مثلاً – من شأنه أن يقوي العلاقات بين المواطنين في الدولة ويرتبط عادة بالمناطق التي تنعم بسلم أكثر. وقد عرف التاريخ أناساً متدينين جداً وهم من أشهر دعاة السلام مثل مارتن لوثر كينج جونيور والمهاتما غاندي والمطران ديزموند توتو.
يتفق جون وولف البروفيسور في الجامعة المفتوحة مع ذلك ويقول "يجب علينا أن نتمعن في الحالات التي يعمل فيها الناس المتدينون بكد لإحلال السلام.. وهو جانب نادراً ما يحظى بالتغطية الإعلامية على عكس الجانب الآخر".
وبالنظر إلى الحروب الكبرى في المئة عام الأخيرة كالحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة وحرب فيتنام.. نرى بوضوح كيف يمكن للدوافع غير الدينية أن تكون مدمرة تماماً كالدوافع الدينية. مما يطرح السؤال عما إذا كان الإلحاد المتشدد مسؤولاً القدر بنفسه عن الدمار والعنف كما الدين.
بحسب ما تقول ريتشل وودكوك في كتابها "لا يقع اللوم على الايديولوجية الدينية فقط في نشوب النزاعات. بل إن الإلحاد المفروض من قبل الدولة كان علامة فارقة في الأنظمة الفاشية في القرن العشرين كنظام ستالين وتيتو وماو تسي دونج وبول بوت وغيرهم.. مما نتج عنه مصرع ومعاناة الملايين. كما أعدم الملحدون عشرات الآلاف من الروس المسيحيين بسبب معتقداتهم بهدف إفراغ الدولة من الدين".
لقد كانت الشيوعية صريحة في نبذها للدين ويعتقد الكثيرون أن النازية كانت كذلك أيضاً. لكن المعلق الاسترالي جين كارو يجزم أن الإلحاد بحد ذاته لا يشكل دافعاً قوياً بما يكفي ليدفع الناس للقتل. "تتوفر لدى الملحدين القدرة نفسها على اقتراف الشرور كما تتوفر لدى غيرهم ولكن المتدينين على ما يبدو يرتكبون جرائم القتل (الجماعي تحديداً) ويخوضون الحروب بالرغم من حظر الأديان لها".
"وبعبارة أخرى.. الناس عموماً مستعدون للموت في سبيل شيء ما ممكن أن يكون إله أو حتى فلسفة سياسية كالنازية أو الشيوعية. وهناك العديد ممن يحاربون باسم الوطنية: للوطن أو القبيلة أو العرق. والبعض الآخر يقتل لأنه مريض نفسياً. ولكن لم يقم أحد بقتل آخر حتى الآن باسم الإلحاد."
"لذا بالرغم تحفظي على الفكرة القائلة بأن الدين فقط هو المسؤول عن إشعال الحروب.. إلا أنني أعتقد أن كل جرائم القتل الجماعي والحروب قد تمت باسم فلسفة أو فكرة أكبر من الشخص نفسه. والإلحاد كونه يعني عدم الإيمان بإله معين لم يوفر دافعاً قوياً للقتل باسمه. وحتى اللحظة لم نر أي شخص يفجر نفسه وسط مكان عام مزدحم وهو ينادي "لا إله أكبر".
إذاً يبدو أن المنظومة نفسها المعقدة من العوامل تتحكم بالحروب الدينية والحركات غير المرتبطة بالدين على حد سواء. إذ يقول موري من جامعة شرق لندن أن "العامل المشترك بين الحركات التي تعرف عن نفسها بأنها ملحدة هو معالجتها لمشاكل سياسية تتطرق أيضاً إلى الاقتصاد وعدم المساواة".
بناء على ذلك هل يمكن أن نرى يوماً ما جيشاً مبنياً على الإلحاد؟ بل وينادي بإقامة دولة للملحدين؟ البروفيسور سوريل من جامعة وارويك يستبعد ذلك بقوله "ليس الإلحاد حركة منظمة كالمجموعات المبنية على الإيمان إلا في معارضته للدين. إنه مجرد توكيد على مبادئ عقلانية وليس على معتقدات محددة كما هي الحال في الأديان. لن يوافق العديد من الملحدين على الطريقة التي يمكن أن ينظموا أنفسهم فيها"
نظرياً يمكن أن ينشأ جيش من الملحدين إن وجدوا أنفسهم فجأة مهددين من قوة دينية ديكتاتورية. لكن ذلك لن يحدث في المستقبل القريب في المملكة المتحدة.
في النهاية الحروب معقدة حالها في ذلك حال الناس. وتشتبك فيها العوامل الدينية والسياسية والاقتصادية مع بعضها حسب الظروف الخاصة بكل منها. ومن المؤكد أن الدين يتسبب ببعض الحروب.. لكن وكما تقول وودكوك "يتشاجر الناس أيضاً بسبب قطع صغيرة من الكربون المضغوط أو قطعة  أرض أو مواد تسبب الإدمان أو مباريات كرة القدم."

  • Louise Ridley

علِّق