صدر عن دار لامبيرت الألمانية الترجمة الانكليزية لكتابي محمد رسول السلام....
إنها محاولة أخرى نقدمها في سياق الدفاع عن الإسلام الجميل الذي نؤمن به ونعمل في سبيله.
ويقولون لك وهل كان الإسلام قبيحاً حتى تجمله أنت؟
وجوابي نعم لقد كتبناه اسلاما قبيحاً في تاريخنا ودراساتنا ورواياتنا، وأصبحت أسرع طريقة لتصد الناس عن دين الله هي ان تروي لهم كثيراً مما في كتب التراث البليدة التي تروي حياة الرسول الكريم كما لو فاتكاً بلا قلب، يحمل رسالة جبر وقهر، بعثه الله بالذبح (كما روى مسلم)، وجاء بالسيف (كما روى الإمام أحمد) وأمر أن يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة (كما روى البخاري ومسلم).
أما رزقه فقد روينا أنه بعث بالسيف وجعل رزقه تحت ظل رمحه، (كما روى البخاري تعليقاً وأحمد في المسند) وهكذا فقد كان رزقه من الحرب، وكانت أرباحه وموارده وحياته قائمة على الغنائم والفيء والسبي وهذا كله بات يعرف في العالم كله اليوم بتجارة الحرب وهي أسوأ ما يمكن أن يكون من كسب آثم.
لقد قام كتاب السير بتصوير كتابة حياة النبي كما لو كان لا ينزل عن حصانه ولا يغمد سيفه وينتقل من غزو لغزو ومعركة لمعركة وقتال ضار لقتال ضار، ثم لا يفتأ أن ينتقم من مخالفيه بقتلهم والتنكيل بهم، وفي 2012 نقل الشيخ العريفي في خطبة واحدة ست عشرة مرة يأمر الرسول بقتل مخالفيه!! لمجرد أنهم اعترضوا على الرسول أو الرسالة مهما كانوا سلميين ومعتدلين.
وقد شوهدت هذه الخطبة على يوتيوب وحده نصف مليون مرة!! وأضعاف ذلك على فسبوك وتويتر وترجمت (لوجه الله) إلى الانكليزية !!
أما سبايا الرسول الكريم بلغ عددهن عند ابن القيم في زاد المعاد 42 عبداً وأمة، وهكذا تداولناه مع رواه السلف من دون وعي بمعنى أن يكون لزعيم تحرري اثنان وأربعون عبداً وأمة مسلوبين الحرية والكرامة، وما زال الرواة يتكثرون في جمع الأسامي حتى بدا الرسول بالفعل في مشهد يشبه مشهد أولاد الخلفاء المترفين، يتقلب بين المغاني والصبايا ويراكم الذهب والفضة....
هذا غيض من فيض مما تزخر به كتب السير التائهة من إساءة وتشويه لمقام النبوة.
فهل هذه حقا هي سيرة رسول الله؟ وهل هذا هو الإسلام الجميل الذي يقولون لنا لا تتدخلوا فيه واتركوا العالم ينظر إلى جمالنا وعظمتنا، وكفّوا عن تجديد الدين وتطويره وتخريبه!!.
لقد عزمت أن أقدم قراءة أخرى لحياة الرسول، تقدم بادلة العقل والنقل الدليل الواضح على فساد ما تعلمناه وعلمناه ودرسناه للناشئة عن حياة هذا النبي الكريم.
فالرجل الذي خاض خمسة تجارب متتالية لبناء دولته وأخفق في أربعة منها في مكة والطائف والحبشة والحيرة ونجح في الخامسة في المدينة لم يستخدم أبداً في أي من محاولاته الخمسة أي نوع من السلاح ولا حتى سكين مطبخ.
وحين انتصر لم يحشد لنصره بالطبول والسيوف والمشانق وإنما جعل انتصاره يوم فرح وزغردة وأزهار وعصافير ودف ومزهر وصبايا كالفراشات يغنين لقدومه طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.
أما الغزوات الثمانية والعشرون فهي كذب تاريخي مفترى... وقد نجح الرسول في تحويلها لمفاوضات ومصالحات وتحالفات ولكن المؤرخين لم ينجحوا في تحويل اسمها من غزوات وحروب الى مصالحات ودبلوماسية وحوار، كما كانت عليه في الواقع والحقيقة.
وهذه الغزوات كانت كلها في المحيط الجغرافي للمدينة يوم كان بالمدينة أو في محيط مكة بعد أن فتحها سلماً، وكانت بذلك حروب دفاع محض، يتحصن فيها في مدينته ويحفر حوله الخنادق، ولم يشا أبداً أن يغزو من خلالها أو يفرض دينه على أحد.
وربما كانت خيبر هي الاستثناء الوحيد فقد كانت حرباً استباقية ولكنها من المؤكد كانت ضد مدينة حصون وآطام بنيت للحرب لا للسلام، وكان على الرسول أن لا يسمح بتطور هذه الظاهرة.
والأمر نفسه في السرايا التي أثبتت الدراسة أن 90 بالمائة منها كانت سرايا دعوة وحوار وكلمة، وأن سرايا الرجيع ومعونة وقع فيها قتل ولم يقع قتال، فقد غدرت القبائل بالدعاة وقتلوهم وهم عزل لا يملكون السلاح أصلاً، وأنها كانت سرايا دعوة ولم تكن سرايا قتال.
وأما تعدد زوجاته الذي يرويه المؤرخون فإن الكتاب يثبت أمراً غاية في الأهمية وهي أن الرسول لم يعدد أبداً على زوجته أم عياله، وضرب أروع مثال في الوفاء والمحبة لشريكة عمره، التي ظل وفيا بها رغم أنها تكبره بخمسة عشر عاماً، وأنها كانت أمَّاً لثلاثة أبناء جاءت بهن الى بيت الرسول هند وهالة من هند بن النباش وهالة من عتيق بن عائذ، وحين ماتت سمى العام كله عام الحزن، وعزف عن الزواج كله الف يوم.
وأما سراياه وجواريه الاثنان والأربعون كما زعم كثير من الرواة فالتحقيق ان هؤلاء موالي رسول الله وليسوا عبيده، أي انه اشتراهم أو ملكهم وأعتقهم وهو أشرف عمل يمكن أن يقوم به قائد نبيل، وقد وجدنا الأدلة الروائية على أنه أعتقهن جميعاً، حتى الأربعة اللاتي عدهن ابن القيم سبايا فالتحقيق أنهن معتقاته صلى الله عليه، ولا يمكن أن يكن إلا كذلك، وأن الرسول لم يكن عنده أبداً عبد ولا أمة!!!!
وممن عدّهن المؤرخون سبايا يتمتع بهن الرسول: مارية القبطية وجويرية بنت الحارث وريحانة بنت زيد وصفية بنت حيي، ولكنهم تعاموا عن النصوص الأكيدة التي أفادت أن الرسول أعتقهن ومنحهن الحرية التامة، وأنهن حصاد تحريره لا حصاد استعباده، كما يشتهي الخلفاء المترفون وكما تزلف إليهم كثير من الرواة ليزينوا لهم ما يسترقونه ويستعبدونه من السبايا والعبيد.
فقط امرأة واحدة لم نعثر على خبر إعتاقها وهي فتاة مجهولة أهدتها له زينب بنت جحش لا يعرف في التاريخ اسمها ولا نسبها ولا مآلها، ولا شك أن حكم العقل المحض في غياب الرواية أنها عوملت كما عوملت نظائرها بالإعتاق والتحرر.
ويقدم الكتاب قراءة أخرى تؤكد أن آخر أمر الرسول الكريم كان تحريم السباء كله وأنه لم يترك في سبية واحدة الا أعتقها وأنه أمر الصحابة بالعتق وليس بالسباء، وأن آخر معركة خاضها الرسول الكريم وقع في أسره أربعة آلاف وخمسمائة سبية من أهل الطائف، ولكنه ناضل شهرين متتاليين في منع سبي أي امرأة منهن على الرغم من غضب الأعراب وسخطهم ونجح في النهاية في تحرير كل النساء وردهن ولم يتم سبي امرأة واحدة.
وتتوقف الروايات عند قصة بني قريظة وقد قدمت للعالم بصورة في غاية الظلم والبشاعة وفيها ان الرسول انتقم من عدد من الخونة عن طريق إبادة قبيلتهم كلها فرداً فرداً وعددهم تسعمائة نفس!! قتلهم في ساعة واحدة ودفنهم في مقبرة جماعية ولم ينج من الموت إلا الطفل الذي لم ينبت الشعر بعد، وقال بعد ذلك هذا حكم الله من فوق سبع سموات !!!
تقدم السيرة الجديدة أدلة من العقل والمنطق والرواية تثبت أن هذه الأرقام محض كذب مفترى وأن العقاب نزل فقط بخمسة أشخاص ثبت تآمرهم في غزو المدينة ونالوا عقابا عادلاً.
لا يمكن هنا تفصيل كل ما في الكتاب ولكن في قناعتي فهي خطوة مهمة لتصحيح صورة الإسلام النمطية في الخطاب الغربي، وإنني آمل أن تصل الرسالة إلى حيث ينبغي أن يسمعها العالم، وأن يتعرف المثقفون على صورة أخرى للنبي الكريم تعكس الإسلام الجميل الذي كافح الرسسولالكرم من أجل تحقيقه وكافح الرواة طويلاً من أجل تشويهه!!
سبق للكتاب أن طبع ستاً وثلاثين طبعة بالعربية بدءا من عام 1992 في عدد من دور النشر، وفي عام 2010 أعلنت جامعة كرايوفا الحكومية أن الجامعة العريقة قررت أن تمنح درجة دكتوراه الشرف لهذا الكتاب ومؤلفه بعد ان ترجمته للرومانية، واعتبرته مرجعاً دراسيا أساسياً في كلية اللاهوت، وأعلنت انه أول كتاب للتعريف بالنبي الكريم في جامعات رومانية.
تنشر دار لامبيرت كتبها في 2000 منفذ للبيع حول العالم، كما تنشره على مواقعها في الأنترنت، ومن المتوقع أن يحقق الكتاب نجاحا في الوصول الى مراكز العلم والحضارة في العالم، وطموحي ان يكون فرصة جديدة للتعريف بالإسلام الجميل ...
علِّق