صورة eiad
نشرت في .March 07, 2015
الناشر تاريخ النشر الكاتب ترجمة الرابط الأصلي للمادة
Council of Foreign Relations 03/06/2015 جينيف عبدو ديمة الغزي اضغط هنا

يساهم خلاف ديني ضارب في القِدم  في إشعال جذوة النزاعات في الشرق الأوسط والدول المسلمة. فقد أذكى الصراع السني-الشيعي الحرب الأهلية السورية التي تهدد بتغيير خريطة الشرق الأوسط.. وأشعل فتيل العنف في العراق المتكسر.. ووسع الهوة بين عدة من دول الخليج ذات العلاقات المضطربة. كما أعادت النزاعات الطائفية إحياء الجهاد عبر القارات الذي يطال خطره البلاد البعيدة عن مناطق النزاع.

إلا أن حالة الغليان التي وصل إليها هذا الخلاف والتي بدأت منذ أربعة عشر قرناً لا تفسر العوامل السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية التي أدت إلى هذه النزاعات.. لكنها أضحت إحدى الزوايا التي يمكن من خلالها محاولة فهم الاضطرابات الكامنة خلف تلك الصراعات. فقد قامت الدولتان المتنافستان على الريادة الإسلامية –المملكة السعودية السنية وإيران الشيعية- باستغلال الشرخ الطائفي لمصلحتهما. وعلى الأغلب ستحدد نتيجة هذا التنافس شكل التوازن السياسي الجديد بين السنة والشيعة ومستقبل المنطقة خصوصاً في سوريا والعراق ولبنان والبحرين.

وبمحاذاة هذه الحرب القائمة بالوكالة هناك أيضاً حماس المسلحين المتجدد لتطهير الدين أو للتحضير لعودة المسيح. وهناك اليوم عشرات الآلاف من المسلحين الطائفيين في المنطقة يمكنهم إشعال صراع أكبر. وبالرغم من جهود كثير من رجال الدين السنة والشيعة في التشجيع على الحوار ونبذ العنف في سبيل تخفيف الأحقاد إلا أن العديد من الخبراء يخشون من أن يؤدي انقسام الإسلام إلى مزيد من العنف بما يهدد السلام والأمن العالميين.

لقد عاش المسلمون السنة والشيعة جنباً إلى جنب بسلام على مدى قرون.. يتزاوجون ويصلون معاً في نفس المساجد في العديد من الدول. فهم يتشاركون في إيمانهم بالقرآن وفي سنة محمد وصلاتهم متشابهة.. لكنهم يختلفون في طقوسهم وفي فهمهم للقانون الإسلامي.

وتصطبغ الهوية الشيعية بطابع الضحية بسبب قتل الحـسين - حفيد الرسول محمد في القرن السابع – وبسبب تهميشها من قبل الأغلبية السنية. فالإسلام السني الذي يتبعه 85% من إجمالي 1.6 مليار مسلم ينظر إلى الإسلام الشيعي بعين الريبة. كما أن متطرفي السنة وسموا الشيعة بالارتداد والكفر.

منشأ الخلاف

جاء محمد بدين جديد لشعب مكة في عام 610 عرف بالإسلام (بمعنى التسليم لله). وقد تبنى هذا الدين التوحيدي بعضاً من العادات اليهودية والمسيحية وبنى عليها بمجموعة من القوانين التي حكمت معظم نواحي الحياة بما فيها السلطة السياسية. وعند وفاته في عام 632 كان محمد قد فرض سيطرته على شبه جزيرة العرب. وبعد قرن من وفاته بنى أتباعه امبراطورية امتدت من وسط آسيا إلى إسبانيا. لكن جدلاً حول الخلافة قسم المجتمع فقد حاجج البعض أن الخلافة يجب أن تكون للمؤهلين لها بينما نادى البعض الآخر بأن الأولوية هي لسلالة محمد.

ثم بايعت مجموعة من أوائل المسلمين رفيق الرسول أبا بكر كأول خليفة للمسلمين رغم اعتراض أنصار علي بن أبي طالب – ابن عم النبي وصهره. من هذين  الطرفين المتناحرين في الخلافة نشأ تيارا الإسلام الرئيسيان وهما السنة والشيعة. وأصل تسمية الشيعة تأتي من "شيعة علي" أي أنصار علي. يؤمن هذا الطرف بأن علي وسلالته من أهل البيت. أما السنة (ومعناها الطريق أو السيرة أي متبعو سيرة محمد) فهم ضد توريث الخلافة لسلالة محمد.

وصلت الخلافة إلى علي لاحقاً في عام 656 ومكث فيها خمسة أعوام فقط قبل أن يتم اغتياله. انتقلت الخلافة بعدها من شبه جزيرة العرب إلى الأمويين في دمشق ولاحقاً إلى العباسيين في بغداد. لكن الشيعة لم يعترفوا بسلطة هؤلاء الحكام. وفي عام 680 قُتل الحـسين - ابن علي - على أيدي جنود الخليفة الأموي الثاني مع العديد من رفاقه في كربلاء التي تقع في العراق اليوم. ومنذ ذلك الحين أصبحت كربلاء جزءاً مهماً من التراث الشيعي. وبات الخلفاء السنة يخشون استغلال أئمة الشيعة لهذه المذبحة في شحذ همم الناس للإطاحة بحكمهم مما دفعهم إلى الإمعان في تهميش واضطهاد الشيعة.

وبالرغم من هيمنة السنة سياسياً على العالم الإسلامي إلا أن الشيعة حافظوا على قياداتهم السياسية والدينية المنفصلة التي تمثلت في أئمتهم من سلالة علي والحـسين. لكن الفروقات ظهرت في البيت الشيعي فيما يخص السلالة والنسب المناسب للخلافة. حيث يؤمن عامة الشيعة بإثني عشر إمام .. انفصل عنهم الشيعة الزيديين - معظمهم في اليمن - عند الإمام الخامس وحافظوا على حكم الإمامة في مناطق من اليمن حتى الستينات من القرن الماضي. أما الشيعة الإسماعيليون المتواجدون في جنوب آسيا وعدة مناطق أخرى من العالم فينفصلون عن البقية عند الإمام السابع. وهم يوقرون الآغا خان كممثل حي عن إمامهم. الغالبية من الشيعة وبالأخص أولئك في إيران وشرق العالم العربي يؤمنون بأن الإمام الثاني عشر قد اختفى وسيظهر مرة أخرى يوم القيامة. ومنذ ذلك الحين ترسخت السلطة الدينية لدى الشيعة الإثنا عشرية في قياداتهم الدينية العليا وهم آيات الله.

واتبع المسيحيون واليهود والزرداشتيون التيار الشيعي عند اعتناقهم الإسلام في القرون الأولى لظهوره معبرين بذلك عن عدم تقبلهم للامبراطوريات العربية العنصرية في معاملتها لغير العرب كمواطنين من الدرجة الثانية. وقد أثرت دياناتهم الأصلية في تطور الإسلام الشيعي وتمايزه عن السني في معتقداته وطقوسه.

وباستثناء الحكم الشيعي الفاطمي.. دامت سيطرة السنة على الحكم الإسلامي مدة تسعة قرون إلى أن برز العهد الصفوي في الفرس في عام 1501. اتخذ الصفوين من الإسلام الشيعي ديناً للدولة وحاربوا العثمانيين المسيطرين على الخلافة السنية على مدى قرنين. ومع أفول هاتين الامبراطوريتين ارتسمت الحدود السياسية التقريبية لإيران وتركيا في القرن السابع عشر وتوزع الشيعة والسنة فيما بينهما. الأغلبية السكانية في إيران والعراق وأذربيجان والبحرين من الشيعة بالإضافة إلى تواجدهم بكثرة في لبنان. أما السنة فيشكلون الأغلبية في أكثر من أربعين دولة ممتدة بين المغرب وأندونيسيا.

 

الجدول الزمني للانقسام السني الشيعي

بعد وفاة محمد بقليل انقسم المسلمون إلى قسمين. ويبين هذا الجدول الزمني مراحل تطور الطرفين منذ عام 632 إلى أواخر القرن العشرين:

632 وفاة محمد

اختلف المسلمون الأوائل على خلافة محمد مؤسس الدين في شبه جزيرة العرب. فكان أن انتخب رجالات مكة أبا بكر رفيق محمد وسط اعتراض مؤيدي علي بن أبي طالب - ابن عم محمد وصهره. وصل علي إلى الخلافة أخيراً في عام 656 واغتيل في 661 بعد مناوشات مع حاكم دمشق معاوية. تقلد بعدها معاوية الخلافة وأسس الخلافة الأموية التي حكمت الامبراطورية الإسلامية من دمشق حتى عام 750.

661 الشيعة الأوائل

يزداد سخط شيعة علي بعد مقتل قائدهم في عام 661 ولا يعترفون بشرعية الخلافة الأموية التي حكمت الامبراطورية الممتدة من باكستان إلى شمال أفريقيا وإسبانيا إذ أهنم يؤمنون بأن الخلفاء الشرعيين في الإسلام لا بد من أن يكونوا من سلالة علي وفاطمة بنت محمد. ويقود الحسين – ابن علي – ثورة من الكوفة التي تقع في العراق اليوم.

661 – 1258 مهاجمة الأمويين والعباسيين للشيعة

شكل الأئمة الذين خلفوا الحسين خطراً سياسياً على الخلافة السنية فدأب الأمويون ومن ثم العباسيون على قمعهم وقتلهم. الأمر الذي دفع الإمام السادس جعفر الصديق إلى حث أتباعه الشيعة على مواراة معتقداتهم حفاظاً على استمرارية دينهم. ونشأ في هذا الوقت المذهبان الاسماعيلي والزيدي بناء على المآخذ المختلفة لديهم حول خلافة الأئمة. وأصبحت الخلافة السنية في هذه الأثناء متوارثة.

680 معركة كربلاء

أطلق الخليفة الأموي يزيد بن معاوية جيشه لسحق ثورة الكوفة فكانت معركة كربلاء التي وقعت في شمال الكوفة.. قُتل فيها الحسين والعديد من صحابته. وقد ساهم استشهاد الحسين والدروس المستقاة من ذلك في تشكيل الهوية الشيعية. استمرت الطائفة بالنمو رغم مقتل قادتها. وجدير بالذكر أن الشيعة يحيون ذكرى مقتل الحسين في يوم عاشوراء من كل عام بممارسة بعض الطقوس الخاصة – كجلد الذات – التي لا نجدها عند السنة.

939 اختفاء المهدي

معظم شيعة العصر الحالي هم من الإثني عشرية.. يؤمنون باثني عشر إمام آخرهم محمد المهدي (من الهداية) الذي عمد إلى الاختفاء عام 939 وأنه سيعاود الظهور يوم القيامة. ومنذ اختفائه تم تصنيف جميع المسلمين غير الشيعة في بوتقة الإسلام السني.. يجمعهم اتباعهم للقرآن وسنة محمد رغم اختلافهم في الأمور القانونية.

969 الفاطميون: أولى السلالات الشيعية الحاكمة

استلم الاسماعيليون الحكم في مصر وشمال أفريقيا ووسعوا الحكم الفاطمي إلى غرب شبه الجزيرة العربية وسوريا. وقد عُرف عن الاسماعيليين انفصالهم عن الشيعة الاثني عشرية بعد الإمام السادس واتخاذهم من الإمام والخليفة ألقاباً يعملون بها. قاموا بتأسيس جامع الأزهر الذي تحول بعد قرون عدة إلى مركز فكري للإسلام السني. أفل نجم الخلافة الفاطمية في القرن الثاني عشر وتوزع أبناء الطائفة الاسماعيلية ما بين اليمن وسوريا وإيران وغرب الهند.

1268 ابن تيمية في دمشق

مع بداية القرن التاسع توزع المسلمون السنة إلى أربع مذاهب: الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي. وفي عام 1268 هاجر العلامة الديني ابن تيمية إلى دمشق وتلقى علومه في المدرسة الحنبلية التي تنبذ الشيعة وتنعتهم بالروافض أو الرافضة (أي الرافضون للمذهب السني). دعا ابن تيمية إلى العودة إلى الإسلام النقي في عصوره الأولى ونبذ العادات المتشبهة بالمسيحية والوثنية مثل الاحتفال بالمولد النبوي. وقد ساهمت أفكاره تلك في تشكيل الفكر الوهابي والسلفي لاحقاً.

1501 الصفويون وتمكن الشيعة من السلطة في بلاد فارس

في هذا العام هزم اسماعيل –قائد الصفويين- جيوش المغول وسيطر على بلاد فارس سابقاً بحكم مركزي شمل كل من إيران والعراق وأرمينيا وجورجيا وأذربيجان وبعض من أفغانستان وباكستان وتركيا. اتخذ الصفويون من الإسلام الشيعي ديناً رسمياً لهم وقاموا بنشره باستخدام القوة في أغلب الأحيان. ومع أفول العصر الصفوي في القرن الثامن عشر أخذت سلطة رجال الدين الشيعة تتنامي في مجال الأحوال المدنية في إيران.

1639 الفتح العثماني في العراق

سيطر الصفويون على العراق لفترة بسيطة قبل أن يستولي عليها العثمانيون وهم الخلفاء السنة في تركيا. ورسمت الحروب الصفوية-العثمانية حدود تركيا والعراق وإيران كما نعهدها اليوم. وطغى الإسلام الشيعي في إيران بينما كان الشيعة في تركيا يتعرضون للقتل أو التهجير مما غير في التركيبة السكانية وجعل الغلبة للسنة. فكانت النتيجة أن أصبحت شعوب هاتين الدولتين أكثر تجانساً من جيرانها.

1703 بزوغ الوهابية في شبه جزيرة العرب

أسس محمد بن عبد الوهاب حركة دينية في شبه الجزيرة العربية مبينة على المذهب الحنبلي للإسلام السني في القرن الثامن عشر. وتعد معتقدات الوهابيين متزمتة بما يضعهم موضع الخلاف مع السنة والشيعة معاً. قام المقاتلون الوهابيون بتحطيم ضريح الحسين في كربلاء وشاهدة قبر محمد في المدينة. وتحالفوا مع محمد بن سعود لتأسيس المملكة السعودية الأولى التي هزمت أمام الامبراطورية العثمانية في أوائل القرن التاسع عشر.

1916 اتفاقية سايكس - بيكو ونهاية عهد الخلافة

تم التوصل إلى اتفاقية سايكس - بيكو السرية بين فرنسا والمملكة المتحدة والتي كانت ترمي إلى تقسيم مناطق الامبراطورية العثمانية الهزيلة والتي ازدادت ضعفاً خلال الحرب العالمية الأولى. دعمت الدولتان المستعمرتان الأقليات في العراق وسوريا وأوصلتها إلى الحكم مما أدى لاحقاً إلى احتقان طائفي في هاتين الدولتين. ثم جاءت مبادئ العلمانية والقومية للحد من ذلك الاحتقان وانتشرت في الإقليم التركي والعربي من الامبراطورية العثمانية السابقة. وقضت الجمهورية التركية الجديدة على ما تبقى من الخلافة في عام 1924 فيما انشغل العالم العربي بقضايا الهوية السياسية والوحدة العربية ووحدة المسلمين وتوارى الاحتقان الطائفي خاصة في ظل كفاح الشعوب العربية لنيل استقلالها من القوى الأوروبية.

1932 آل سعود يؤسسون مملكة

في عام 1932 قام عبد العزيز بن سعود مع جيشه من الوهابيين  ببسط سيطرته على شبه الجزيرة العربية وقاتل السنة في غربها والشيعة في شرقها وجنوب العراق. وبعد تبوء الوهابيين المناصب القضائية والتعليمية في المملكة نشروا فكرهم محلياً في البداية ومن ثم حول العالم بفضل ما نهلته الدولة من ثروتها النفطية الكبيرة. وقد زاد صعود الوهابيين وأقرانهم السلفيين من الضغينة القائمة اليوم بين السنة والشيعة.

1947 ولادة باكستان

رافق كفاح الهند لنيل استقلالها صحوة إسلامية أدت إلى إنشاء دولة باكستان وفصلها عن الهند في نهاية الحكم البريطاني. ومع الأغلبية السنية فيها أكد مؤسسها الشيعي محمد علي جِنة على أهمية ممارسة العلمانية حيث يتساوى جميع المواطنين بغض النظر عن الديانة أو الطائفة أو العقيدة. انتخب الباكستانيون رئيسي وزراء أحدهما سني والآخر شيعي. غير أن أسلمة الدولة التي حض عليها وهابيو السعودية تسارعت بعد استيلاء القائد العام للجيش ضياء الحق –وهو سني- على السلطة عام 1978. تفاقم العنف الطائفي بعد ذلك خلال ثمانينات القرن الماضي.

1959 انسجام الطوائف: فتوى الأزهر

أصدر رئيس جامعة الأزهر محمود شلتوت فتوى اعترف فيها بالقانون الشيعي كمدرسة خامسة في الفقه الإسلامي. وبعد عقود من الاستعمار ومن ثم القومية والعلمانية اتحدت العديد من السلطات الدينية الشيعية والسنية في مواجهة هذه الأخطار المشتركة إلا أن هذا الانسجام تزعزع مع انكسار شوكة الدول العلمانية.

1963 بداية حكم حزب البعث في سوريا

توالت الانقلابات على سوريا في سنواتها الأولى بعد الاستقلال إلى أن استحوذ البعثيون في الجيش على السلطة عام 1963. جدير بالذكر أن حزب البعث يتبنى فكراً شيوعياً علمانياً قومياً معادياً للإسلاميين. وفي عام 1970 وصل حافظ الأسد إلى الحكم - وهو ينتمي للطائفة الشيعية المبتدعة المسماة بالعلويين - بعد أكثر من ألف عام من حكم السنة في سوريا. استمر حكمه حتى مماته في عام 2000. تسلم بعده ابنه بشار مقاليد الحكم ولا يزال فيه خلال الحرب الأهلية اليوم.

1976 – 1989 الحرب الأهلية في لبنان

خاض لبنان حرباً أهلية ما بين المسيحيين الذين هيمنوا على السلطة السياسية منذ استقلاله عام 1943 وبين الأغلبية المسلمة. تدخلت سوريا عام 1976 ومن ثم إسرائيل في عام 1982. عقب التدخل الإسرائيلي قامت إيران بتمويل ميليشيا شيعية لبنانية – حزب الله - نمت قوتها حتى أصبحت تتمتع بأكبر ثقل في السياسة اللبنانية. سحبت إسرائيل قواتها من لبنان عام 2000 تحت ضغوط من حزب الله.

 

خلافات العصر الحديث

وفرت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 الفرصة المناسبة لآية الله روح الله الخميني في تحقيق مراده بإقامة دولة إسلامية برئاسة الولي الفقيه.. وهو مفهوم مثير للجدل بين الشيعة. يختلف معه السنة إذ فصلوا تاريخياً ما بين رؤسائهم السياسيين ورجال الدين. بينما طالما كان آيات الله هم حراس الدين. وكانت حجة الخميني تقول أنه لا بد لرجال الدين من استلام الحكم ليقوموا بمهمتهم على أكمل وجه: وهي تطبيق الإسلام كما أراد الله من خلال وصاية الأئمة الشيعة.

هكذا إذاً بدأت إيران تجربتها في الحكم الإسلامي. ومن هنا حاول الخميني إعادة إحياء الروح الإسلامية بالدعوة إلى توحيد المسلمين.. لكنه كان يدعم مجموعات في لبنان والعراق وأفغانستان والبحرين وباكستان ذات أجندات شيعية بحتة. ورغم إعجاب الإسلاميين السنة بنجاح الخميني إلا أنهم لم ينضووا تحت قيادته. الأمر الذي زاد في زعزعة الثقة بين الطائفتين.

ومن جهة أخرى نجد في المملكة العربية السعودية أقلية شيعية تشكل 10% من مجموع السكان اليوم.. كما يوجد الملايين من أتباع الوهابية وهو فرع متزمت من الإسلام السني انبثق من المدرسة الحنبلية ويعادي الإسلام الشيعي. لقد دفع تحول إيران إلى قوة شيعية معلنة بالسعودية إلى الإسراع في تنمية الوهابية مساهمة بذلك في إحياء خصومة قديمة ما بين الطائفتين حول الفهم الحقيقي للإسلام. وإن تتبعنا أصول العديد من المجموعات المسؤولة عن أحداث العنف الطائفي في المنطقة منذ عام 1979 نجد أنها تعود إلى السعودية وإيران.

لقد ساندت السعودية العراق في حربه ضد إيران من عام 1980 إلى 1988 ودعمت المقاتلين في باكستان وأفغانستان في حملتهم ضد الاتحاد السوفيتي الذي احتل أفغانستان في عام 1979. لكنها كانت أيضاً تقمع المجموعات الشيعية التابعة لإيران.

ومع تحول إيران إلى قوة محركة للمجموعات الشيعية في الدول الإسلامية تأكدت الشكوك السنية بأن ولاء الشيعة العرب هو لإيران. لكن العديد من الخبراء لا يتفقون مع هذا الطرح مذكرين بأن الشيعة ليسوا موحدين. فهويتهم ومصالحهم ترسمها عوامل عدة وليس فقط الطائفة. شيعة العراق مثلاً كانوا أغلبية في الجيش العراقي الذي حارب إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية. كما وقع خلاف بين حركتي أمل وحزب الله الشيعيتين خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

من ناحيتهم لا يقتصر عداء السنة المعتدلين أو المتطرفين على محاربة الشيعة فقط. فقد اقتتلوا فيما بينهم سابقاً عبر التاريخ كما حصل في القمع الذي واجهته جماعة الإخوان المسلمين في مصر والغزو العراقي للكويت في عام 1990 وحروب السعودية مع القاعدة والمجموعات السنية الأخرى المرتبطة بها. ومن هنا يتبين أن الهوية السنية المشتركة لم تلغِ الصراع على النفوذ والسلطة بين المسلمين السنة سواء كانت حكوماتهم علمانية أو إسلامية.

لكننا نجد الهوية الطائفية تطفو إلى السطح أينما حل عنف طائفي كما في العراق بعد إطاحة الغزو الأمريكي بصدام حسين.. الدكتاتور السني الذي حكم دولة ذات أغلبية شيعية. فقد أدى تفجير ضريح شيعي في سامراء عام 2006 إلى الدخول في دائرة العنف الطائفي الذي قسم العراقيين إلى قسمين وأوصلهم إلى ما هم عليه اليوم.

لقد حققت المجموعات الشيعية  في العالم العربي انتصارات سياسية مهمة بدعم من إيران. فنظام الأسد الذي حكم سوريا منذ 1970 يرتكز على رفاقه من العلويين - الطائفة الشيعية التي تشكل 13% من التركيبة السكانية في سوريا- كحجر أساس في حكمه حيث يسيطرون على أعلى المراتب العسكرية والأمنية في سوريا ويشكلون العمود الفقري للقوات التي تقاتل في صف بشار الأسد في الحرب الأهلية. كذلك في العراق منذ أن أودى الغزو الأمريكي في 2003 بحكم صدام حسين وفرض الانتخابات أصبحت الغلبة في البرلمان للشيعة وهم من عينوا رؤساء الوزراء. أضف إلى ذلك حزب الله الشيعي اللبناني الذي يعد أقوى مجموعة سياسية في لبنان. إذاً نلاحظ تضاعف التأثير الإيراني في المنطقة مع استئثار حلفائها في تلك البلدان بالسلطة.

في المقابل كان الهم الأكبر للحكومات السنية (وبالأخص السعودية) هو إحكام قبضتها على الحكم خاصة بعد حركة الاحتجاجات التي بدأت في تونس في أواخر 2010. انتقلت الثورات بعدها إلى البحرين وسوريا حيث يبرز الانقسام الطائفي. فالسلطة في كليهما تقع في يد طائفة من الأقليات: العلويون في سوريا حيث السنة أغلبية.. والسنة في البحرين حيث الشيعة أغلبية. وقد كشفت الحرب الأهلية في سوريا رغم أنها سياسية بطبيعتها الغطاء عن الاحتقان الطائفي وتحولت إلى مسرح لحرب بالوكالة بين القوى السنية والشيعية في المنطقة. حتى أن بعض الخبراء يرون أن الصراع في سوريا هو فرصة السنة الأخيرة لحسر المد الإيراني والشيعي في العالم العربي.

 

الجدول الزمني لخلافات السنة والشيعة في العصر الحديث

اشتعلت المنافسة على السيطرة الإقليمية عقب استلام الشيعة للحكم في الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. إليكم هذا الملخص عن الخلافات السنية - الشيعية على مدى العقود القليلة الماضية.

16 كانون الثاني 1979: الثورة الإسلامية الإيرانية

هرب حاكم إيران محمد رضا شاه بهلوي بعد أشهر من المظاهرات العارمة وعاد الشيخ الشيعي آية الله روح الله خميني من منفاه ليقود جمهورية إسلامية بناء على دستور يمنحه سلطات سياسية ودينية في منصب ولاية الفقيه. ثم تم تعيين الخميني قائداً أعلى وبدأ في تصدير الثورة الإسلامية إلا أنها لم تلقَ استحسان الحكام السنة في البلاد التي تحوي أعداداً كبيرة من الشيعة كالعراق والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة وباكستان والسعودية ولبنان.

24 كانون الأول 1979: الجيش السوفيتي يغزو أفغانستان

بعد طلب الحكومة الشيوعية في كابول المساعدات العسكرية لمحاربة الثوار الإسلاميين قامت القوات السوفيتية بغزو أفغانستان. كان الثوار الذين عرفوا باسم "المجاهدين" يجندون المقاتلين الأفغان بالإضافة إلى مقاتلين سنة من خارج البلاد.. من ضمنهم شاب سعودي اسمه أسامة بن لادن. كانت إمدادات المال والسلاح تصل للمجاهدين عبر باكستان من السعودية والولايات المتحدة. صُورت هذه الحرب على أنها مقاومة للاحتلال السوفيتي ورفعت من شأن الحـركات المتطرفة السنية.

5 تموز 1980: المظاهرات الشيعية في باكستان تكشف خطوط التصدع الطائفي

تظاهر عشرات الآلاف من الشيعة في إسلام أباد للاحتجاج على تطبيق بعض القوانين السنية على جميع المسلمين. فأصدر الرئيس الباكستاني أمراً يعفيهم منها لكن النزاعات الطائفية ظلت حاضرة في المشهد السياسي المحلي. وقامت المجموعات السنية مثل لشكر جنكوي وسباه صحابة الممولة من الشيوخ الوهابيين في السعودية.. قامت بقتل آلاف الشيعة على مدى العقود الثلاثة التالية. كما ظهرت جماعات شيعية مسلحة صغيرة مثل تحريك جعفرية لكن اعتداءاتها كانت أقل.

22 أيلول 1980: إعلان العراق الحرب على إيران

شعر صدام حسين السني بالخطر من تأثير الثورة الإيرانية على الأغلبية الشيعية التي يحكمها فقام بإرسال قواته لاحتلال إقليم غني بالنفط في إيران مشعلاً بذلك حرباً دارت لثمانية أعوام أودت بقرابة المليون قتيل. دعمت كل من السعودية والولايات المتحدة العراق في حربه تلك. وكانت دوافع الأخيرة تأتي من العداء الذي أبدته حكومة إيران الجديدة عند أخذها لدبلوماسيين أمريكيين كرهائن.

28 شباط 1991: قمع صدام للثورة الشيعية التي أعقبت حرب الخليج

تفجرت أعمال الشغب في كل من البصرة والنجف الشيعيتين بعد هزيمة القوات العراقية وطردها من الكويت من قبل قوات التحالف الأمريكي في حرب الخليج الأولى. كان الشيعة مدفوعون بقناعتهم أنهم سينالون دعم الولايات المتحدة إذا ما انقلبوا على صدام بينما ينكر الأمريكيون إعطائهم أية وعود. شنت حينها قوات صدام حملة قمع شعواء قضت فيها على عشرات الآلاف من الشيعة وقصفت الأضرحة في النجف وكربلاء وهدمت بعض المناطق في مدن الشيعة.

8 آب 1998: مذبحة الشيعة على يد طالبان في مزار الشريف

وقعت مدينة مزار الشريف تحت سيطرة حركة طالبان السنية المتطرفة التي حكمت أفغانستان بعد دحر القوات السوفيتية. أقدمت بعدها على قتل ألفي شيعي على الأقل ما بين عامي 1997 و 1998 في مدينتي مزار الشريف وباميان بدعم من باكستان مما أحكم قبضة طالبان على السلطة. كما قتلت ثمانية دبلوماسيين إيرانيين في مزار الشريف مما دفع بإيران إلى إرسال قواتها إلى الشريط الحدودي. لكن الأمر انتهى بتدخل الأمم المتحدة بدون مواجهة.

11 أيلول 2001: هجوم القاعدة على أمريكا وقتلها الآلاف

لاحقت القوات الأمريكية قادة القاعدة في أفغانستان وأطاحت بحكمهم بعد الهجمات التي نفذوها في واشنطن ونيويورك. وساهمت القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة بإرساء نظام جديد في البلد. إلا أن المخاوف بدأت تساور الحكام السنة في الأردن والخليج من عودة الغلبة للشيعة بعد إسقاط حكومتي طالبان وصدام حسين المناوئتين لإيران.

19 آذار 2003: سقوط حكم صدام حسين على يد القوات الأمريكية

اجتاحت قوات التحالف الدولي العراق معلنة نهاية قرون من الحكم السني فيه مع نهاية حكم صدام حسين. تفجر العنف الطائفي على إثر ذلك عندما تحالف البعثيون مع المتطرفين والمعتدلين من السنة ضد قوات التحالف وحلفائهم الشيعة الطامحين إلى السلطة والنفوذ. ظهرت أيضاً الميليشيات الشيعية وكان بعضها معادياً للوجود الأمريكي كما توافد السنة الأجانب إلى البلد للمشاركة في الاقتتال الطائفي. ومع دعم إيران للميليشيات والأحزاب السياسية الشيعية التي هيمنت على الانتخابات أصبحت تتمتع بنفوذ واسع في العراق.

14 شباط 2005: اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري

بعد ترأسه حملة لزيادة الضغط الدولي على سوريا لسحب قواتها الموجودة منذ عام 1976 في لبنان.. قُتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بسيارة مفخخة. وساد الظن أن سوريا وحلفاءها في لبنان ومن ضمنهم حزب الله وراء اغتياله. وانسحبت القوات السورية من لبنان بعد أن عمت المظاهرات الحاشدة المطالبة بذلك. وقد أدت عملية الاغتيال وما عقبها من أحداث إلى مزيد من العداوة بين المجتمع السني اللبناني من جهة وحزب الله وشيعة لبنان الذين بقوا على تحالفهم مع سوريا من جهة أخرى. أما المسيحيون فقد انقسموا: بعضهم انحاز لجماعة الحريري والبعض الآخر لحزب الله.

22 شباط 2006: تصاعد العنف في العراق مع تفجير ضريح للشيعة

أصبح القتل الطائفي أمراً معتاداً في العراق مع استهداف المدنيين من قبل الميليشيات السنية والشيعية. وتصاعدت موجة العنف بعد تفجير مسجد العسكري في سامراء الذي يرقد فيه الإمامين العاشر والحادي عشر من أئمة الشيعة. وبلغت حصيلة القتلى من المدنيين 900 شخص نتيجة ذلك.  

30 كانون الأول 2006: إعدام صدام يؤجج السنة

تم إعدام صدام حسين المسؤول عن موت آلاف الشيعة والسنة في العراق وسط أجواء من التهكم والاستهزاء بفعل ترديد الشهود لأغان تمجد الإمام الشيعي وقائد جيش المهدي مقتدى الصدر. كان ذلك كفيلاً برفع مرتبة صدام حسين عند العديد من السنة إلى الشهادة وأبرز مدى النفوذ الشيعي في العراق.

11 شباط 2011: تفجر المظاهرات في الشرق الأوسط وفضحها التصدعات الطائفية

عمت موجة من الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية منطقة الشرق الأوسط أسقطت الرئيس التونسي ومن ثم المصري في 11 شباط. انتقلت بعدها إلى دول عربية أخرى وعرفت ب"الربيع العربي" أو "الصحوة العربية". وقد لاقى كل من سقوط مبارك حليف الولايات المتحدة ومظاهرات الشيعة في البحرين صدى طيباً لدى إيران. لكن الأمر اختلف عندما وصلت الاحتجاجات إلى سوريا إذ وقفت مع الحكومة العلوية في غالبيتها (وهم فرع من الشيعة) ضد المعارضة السنية. طفت الأحقاد الطائفية الدفينة في سوريا إلى السطح وبدأت المواجهات الطائفية الإقليمية.

30 آب 2012: الرئيس المصري محمد مرسي يزور إيران

كانت زيارة مرسي لإيران هي أول زيارة رئاسية مصرية منذ اعتراف القاهرة بإسرائيل عام 1980. وكانت تدل على فتح صفحة جديدة بين إيران والإسلاميين السنة. حاولت خلالها إيران صبغ الربيع العربي بالإسلامي وعدته امتداداً لثورتها الإسلامية عام 1979. لكن زيارة الرئيس المصري المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين كشفت عن الانقسام العميق في الإسلام حيث امتدح الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل الذين لا يعترف بهم الشيعة.. وصرح بأن معارضة نظام الأسد واجب أخلاقي. أثارت هذه التصريحات حنق الإيرانيين وانتقدوها.

 

1 تشرين الأول 2012: مصرع قيادي في حزب الله في سوريا

تعمقت الهوة بين طوائف السوريين بفعل الحرب الأهلية. فالسنة منهم وقفوا مع الثوار بينما وقف الشيعة والعلويون والأقليات الأخرى مع نظام الأسد. وفي هذا الوقت بدأ السنة الأجانب بالدخول إلى البلد حتى غصت بهم ولاحت بوادر التدخل الإيراني ووكيلها في لبنان حزب الله. ثم جاء خبر مقتل مؤسس حزب الله علي حسين ناصيف قبل شهور من اعتراف حزب الله علناً بدوره في الحرب. وتكفلت المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى بتمويل الثوار مما حول النزاع إلى حرب إقليمية طائفية بالوكالة.

8 نيسان 2013: فرع القاعدة في العراق يتوسع في سوريا

وسع فرع القاعدة في العراق والمسمى بالدولة الإسلامية في العراق من عملياته في سوريا وأسس الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). تبرأ منها تنظيم القاعدة بعد الوحشية التي أظهرتها تجاه معارضيها الشيعة والسنة. وأضافت هجمات الدولة بعداً طائفياً جديداً للمنطقة كما أن سيطرتها على مناطق من دول مختلفة شكلت تهديداً قد يغير رسم حدود المنطقة ويعيد تقسيم الدول في الشرق الأوسط

4نبسان 2014: معاداة الشيعة تصل إلى إندونيسيا

عمل مسلمو آسيا على قمع المجتمعات الشيعية الصغيرة لديهم مدفوعين إلى ذلك بالعنف الذي ولدته الطائفية في الشرق الأوسط وباكستان. مثلاً في إندونيسيا – أكبر دولة مسلمة في العالم فيها 99 بالمئة من السكان سنة - يحضر رجال الدين والإسلاميون المتطرفون اجتماعاً لمعاداة الشيعة. وفي ماليزيا حيث يغلب السنة أيضاً تم فرض قوانين تحظر نشر الفكر الشيعي.

10 حزيران 2014: تحرك الميليشيات الشيعية للوقوف في وجه الدولة الإسلامية

استحوذت الدولة الإسلامية مع غيرها من المجموعات السنية المسلحة على الموصل - ثاني أكبر مدينة عراقية - بلا مقاومة تذكر من الجيش العراقي.. ومنها توسعت نحو بغداد والحدود السورية الأردنية بعد سنوات مما يعتبرونه سياسات إقصائية اتبعها رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي. وبعد تهديد الدولة الإسلامية باستهداف أضرحة الشيعة جاءت دعوة أكبر رجال الشيعة العراقيين آية الله علي السيستاني إلى حمل السلاح دفاعاً عنها. فاستجاب لها الشيعة المدنيون وتكاثرت الميليشيات الشيعة مما زاد التوتر الطائفي سوءاً.

 

ممارسة الشعائر الدينية

يتفق السنة والشيعة على أركان الإسلام الأساسية: الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت. إلا أن الخلافات تظهر عند التعاليم. والخلاف الأكبر هو فيما يتعلق بالسلطة.. الأمر الذي أدى إلى فصل المسلمين إلى طائفتي الشيعة والسنة في القرن السابع الميلادي ونشأت تبعاً لذلك مفاهيم مختلفة لحكم الشريعة وهويات طائفية منفصلة.

يؤمن الشيعة بأن الله يبعث دائماً بمرشد يهديهم بدءاً بالإمام ومن ثم آيات الله (وهم رجال الدين المتبحرون الذين يتمتعون بسلطات واسعة ويعدون مرجعاً لغيرهم). يرتبط لقب آية الله بالحكام الدينيين في طهران لكنه في الحقيقة لقب يحمله رجال الدين الشيعة في أعلى رتب المرجعيات.

يتم تخريج المرجعيات من المدارس الدينية في قم والنجف وكربلاء بالعشرات يتمركز معظمهم في المدن المقدسة في إيران والعراق.. ويختار منهم عامة الشيعة مرجعيتهم. في حين يتم تعيين القائد الأعلى لإيران – وهو علي خامنئي حالياً – عن طريق مجلس منتخب من رجال الدين في إيران. ويعود العديد من الشيعة إلى مرجعيتهم في أمور دينهم وإلى القائد الأعلى علي خامنئي في أمور السياسة. أما بالنسبة للسنة فسلطتهم مبنية على القرآن وسنة محمد... وسلطة رجال الدين السنة تبقى محدودة بالمقارنة مع تلك التي يتمتع بها نظراؤهم الشيعة.

هذا وتنقسم كلتا الطائفتين داخلياً إلى عدة مجموعات أسبقنا شرح الطرف الشيعي منها. أما السني فيتفرع إلى  أربع مذاهب: الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي. انبثق عن الأخير الحركات الوهابية والسلفية في المملكة العربية السعودية. يوحد الإسلام السني أتباعه على أهمية اتباع القرآن وسنة محمد ويسمح بالاختلاف في الأمور القانونية.

 

المقاتلون الطائفيون

تاريخياً نجد رجال الدين أو السياسة خلف معظم المعارك الطائفية القاتلة عبر التاريخ على ندرتها. ومعظم المجموعات المتطرفة اليوم تلعب الدور الأساسي في الاقتتال الطائفي بدعم من الدول المختلفة. إلا أن التنظيمين الأبرز – القاعدة السني وحزب الله الشيعي – فضلا استخدام شعارات معاداة الامبريالية والصهيونية والأمريكان على الشعارات الطائفية لتوصيف جهادهم. لا يتشابهان بالكثير عدا عن عن اتباع سياسة العنف. وقد أسس حزب الله ذراعاً سياسياً له يشارك في الانتخابات ويحتل مكاناً في الحكومة اللبنانية.. في حين اختار تنظيم القاعدة العمل الأقل تنظيماً في الخفاء. كما تبنى التنظيمان عمليات انتحارية انتقلت من استهداف الغرب وإسرائيل إلى استهداف غيرهم من المسلمين مثل قتل القاعدة للشيعة المدنيين في العراق ومشاركة حزب الله في الحرب الأهلية في سوريا.

هذا وقد كان للعنف والفوضى دور في عودة الناس إلى أصولهم الطائفية. ففي العراق وبعد سقوط صدام لعبت فلول نظام البعث على الوتر السني لإنشاء مقاومة ضد المد الشيعي. وتدفقت جموع المتطرفين السنيين إلى العراق من الدول المسلمة استجابة لنداء القاعدة بمحاربة الأمريكان حيث شنوا هجمات ضد قوات التحالف وضد الشيعة المدنيين. وأحيا أبو مصعب الزرقاوي مؤسس فرع القاعدة في العراق فتاوى قديمة ضد الشيعة آملاً أن يشعل بذلك حرباً أهلية تجبر الشيعة على الإذعان تحت العنف السني المتطرف. وقع العديد من الضحايا من المجتمع الشيعي قبل أن يبدأ بالمقاومة عبر ميليشياته الطائفية الخاصة به.

 

أما الحرب السورية فقد تخطت وحشيتها وعدد ضحاياها في ثلاث سنوات فقط ما شهده العراق خلال العقد الماضي. وتضخمت فيها الأحقاد الطائفية إلى مستويات غير مسبوقة. كانت بداية الحرب مع مظاهرات سلمية في 2011 نادت بإسقاط حكم الأسد الذي استلم السلطة منذ عام 1970. ومنذ ذلك الوقت زرعت عائلة الأسد وغيرها من العلويين البغضاء لدى الأغلبية السنية في البلد بممارستها القمع الوحشي ضمن أجندة طائفية مكنت الأقلية العلوية من السيطرة على الحكومة والقطاع الخاص. وكشفت مظاهرات 2011 مع القمع الوحشي الذي مارسته الحكومة عن الأحقاد الطائفية في سوريا التي ترددت أصداؤها في أرجاء المنطقة.

تدافع عشرات الآلاف من السوريين السنة للانضمام إلى تكتلات الثوار كأحرار الشام  والجبهة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة للقاعدة.. وكانت جميعها تتبنى نهجاً مناوئاً للشيعة. وفي المقابل انضم عدد مماثل من الشيعة والعلويين إلى ميليشيات قوات الدفاع المدني المدعومة من إيران التي تقاتل في صف نظام الأسد. أضف إلى ذلك انضمام المقاتلون السنة من عرب وأجانب إلى صفوف الثوار من جهة... ومساهمة قوات حزب الله وبعض الميليشيات الشيعية العراقية كعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله في مساندة الحكومة السورية من جهة أخرى. ليس هذا فقط بل قامت إيران بتجنيد حتى اللاجئين الشيعة الأفغان لديها لقتال السنة الأجانب في سوريا عبر إقناعهم بأن هؤلاء الأجانب هم السبب وراء تهجيرهم منذ عقود خلت. فكانت نتيجة كل ذلك أن نجحت الحرب السورية في اجتذاب أعداد من المقاتلين أكبر مما اجتذبته الحروب الأخرى في أفغانستان والشيشان والبوسنة مجتمعة.

وقد وجد تنظيم القاعدة في العراق الفرصة سانحة لملء الفراغ الذي خلفته الدولة السورية.. خاصة بعد أن تفتت على أيدي "الصحوات" من العراقيين السنة الذي شاركوا في محاربة التطرف وبعد إرسال الولايات المتحدة قوات إضافية وأيضاً موت الزرقاوي. فقام التنظيم بتأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وبسط نفوذه على أقاليم السنة في العراق وشرق سوريا.. كما انتزع ثاني أكبر مدينة عراقية –الموصل- في حزيران 2014. ورفض الاستجابة للأوامر العليا من تنظيم القاعدة بكبح طموحاته وتطرفه مما أدى إلى تبرؤ القاعدة منه في شباط 2014. ومن ثم أعادت داعش تسمية نفسها بالدولة الإسلامية وعينت أبو بكر البغدادي خليفة.

ولتسويق نفسها اتخذت المجموعات الإرهابية عبر العقدين الماضيين من الإنترنت والقنوات الفضائية منابر تنفث منها خطابات الكراهية وتحشد الدعم. وتولى المتطرفون من رجال الدين السنة غرس المصطلحات النابذة للشيعة. كما وظف رجال الدين الشيعة الوسائل ذاتها للسخرية والتهكم على الخلفاء الثلاثة الأوائل وعلى عائشة – إحدى زوجات محمد.

ليس التحقير من شأن الآخر بجديد على الخطاب الطائفي فهو يُمارس منذ قرون.. لكن حجمه آخذ في الازدياد. فالخطاب السني يقصي العرب الشيعة بوصفهم ب"الصفويين" كناية عن تبعيتهم لإيران حيث نشأت الامبراطورية الصفوية وبالتالي يُلمح إلى خيانتهم للقضية العربية. كما استخدم الإسلاميون السنة المتزمتون تعابير أقسى من مثل الرافضة (من يرفضون الدين) والمجوس لوسم الشيعة بها. أما من الجانب الشيعي فعادة ما نسمع المسؤولين الإيرانيين ورئيس الوزراء العراقي وقائد حزب الله ينعتون خصومهم السنة بالتكفيريين والوهابيين. وهكذا تفاقمت ظاهرة شيطنة الآخر عبر العالم الإسلامي مؤخراً.

وعلى صعيد آخر فتحت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الباب على مصراعيه أمام المتطرفين السنة لتجنيد المقاتلين إذ لم يعد يتوجب عليهم التغلغل في المساجد واجتذاب المقاتلين خلسة. كل ما عليهم فعله هو نشر دعوتهم إلى الجهاد ومن ثم الانتظار حتى يتصل بهم المهتمون. غير أن هذه القنوات لا تخدم الشيعة بالقدر ذاته في ظل الدعم الذي يصلهم من دول كسوريا والعراق وإيران وتُوفر الجو المناسب لإعلان جهادهم الطائفي على الملأ.

مناطق النزاع

تلعب الأحقاد بين السنة والشيعة دورها في المناطق المشتعلة في الدول الإسلامية والتي غدت تهدد الأمن والسلام العالميين. فيما يلي نستعرض أبرز النقاط التي تثير قلق الخبراء في المنطقة:

ارتفاع نسبة التعصب

بدأت المخاوف بالتزايد حول دور العنف الطائفي في عام 2013. وبحسب ما قالته الخارجية الأمريكية فإن المتطرفين مدفوعون بأسباب طائفية في كل من سوريا ولبنان وباكستان. وبعد أعوام من الخسائر التي تكبدتها المجموعات المرتبطة بالقاعدة انتعش تجنيد المقاتلين المتطرفين السنة بفضل الأموال الخاصة التي أسبغتها شبكات التمويل في الخليج العربي خاصة في الكويت... مع استهدافهم المسلمين عوضاً عن دول الغرب. كما تمتعت الميليشيات الشيعية بتقوية شوكتها لمواجهة التطرف السني كأحد الأسباب... الأمر الذي أوقع العديد من المجتمعات المسلمة في مستنقع العنف الطائفي.

وقد حذر مسؤولون أمريكيون كرئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس ب. كومي من الخطر الذي تشكله الحرب في سوريا على مصالح الغرب في المدى البعيد مع انضمام العديد من مواطني أوروبا والولايات المتحدة إلى صفوف المقاتلين. ففي النهاية سيعود هؤلاء إلى دولهم حاملين معهم قسوة الحرب وجوازات سفر غربية مما قد يجعلهم بمثابة إرهابيين منتشرين حول العالم... مشكلين بذلك خطراً يفوق خطر الشبكات الإرهابية التي ظهرت عقب حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينات من القرن الماضي.

 

التنافس السعودي - الإيراني

وظفت كل من السعودية وإيران العديد من المصادر لتغذية حروبها بالوكالة خاصة في سوريا حيث هناك الكثير مما لا يمكن خسارته. وتراقب الرياض عن كثب أي بوادر للشغب في إقليمها الشرقي الغني بالنفط حيث تقطن الأقلية الشيعية.. كما أرسلت قواتها مع قوات دول خليجية أخرى إلى البحرين لقمع ثورة شيعية في معظمها. كذلك تغدق السعودية مئات الملايين من الدولارات على الثوار السنة في سوريا وفي الوقت ذاته تمنع وصول الأموال إلى القاعدة والمجموعات الجهادية المتطرفة التي تحارب نظام الأسد.

أما إيران فقد خصصت مليارات الدولارات لدعم وتقوية الحكومة العلوية في سوريا إضافة إلى تدريبها وتجهيزها مقاتلي الشيعة من لبنان والعراق وسوريا وأفغانستان لمحاربة الميليشيات الطائفية بأنواعها. لكن اتساع نطاق تلك الحرب التي يقودها الطرفان بالوكالة قد يكون مدعاة للقلق عند القادة في الرياض وطهران حول تبعات تصعيد النزاع إذ هناك تقارير تشير إلى أن الطرفين خاضا محادثات في أيار 2014 لإرساء قواعد حوار يرمي إلى حل دبلوماسي للخلاف.

 

الأزمة الإنسانية

حولت الحرب الأهلية الدائرة في سوريا ثلاثة ملايين مدني معظمهم من السنة إلى لاجئين في لبنان والعراق والأردن وتركيا علاوة على تهجير الملايين غيرهم داخلياً. وعند الأخذ بالاعتبار وضع لبنان من طوائف متناحرة ومعاناته في حربه الأهلية يأتي تدفق أكثر من مليون سوري إليه ليزيد في الطنبور نغماً ويرهق حكومته التي تعاني نقص السيولة ويشكل ضغطاً على المجتمع ليستضيف اللاجئين. كذلك العراق والأردن يجدان صعوبة في تأمين المسكن والخدمات لسكان أُفقِروا وتعرضوا للصدمات. أما تركيا فتملك أفضل المؤهلات لتقديم الدعم الإنساني لكن مجموعة الأزمات الدولية تقر بأن على أنقرة أن تحاول باستمرار الموازنة ما بين تعاطف الأتراك مع اللاجئين والتوجس منهم.    

 

دول متصدعة

تهدد كل من الحرب الأهلية السورية والنزاع الطائفي في العراق بإعادة رسم خريطة المنطقة في الشرق الأوسط التي كانت تحت الاستعمار البريطاني والفرنسي. فالمناطق الواقعة تحت سيطرة الأسد هي مناطق ساحل المتوسط والعاصمة دمشق ومدينة حمص المركزية.. وبها يمكنه تشكيل دولة متصلة مع مناطق سيطرة حزب الله بما يهدد وحدة لبنان. أما المناطق الأخرى من سوريا فهي إما متنازع عليها أو واقعة تحت سيطرة مجموعات مختلفة من الثوار والإسلاميين بمن فيهم الدولة الإسلامية التي تطمح إلى السيطرة على المناطق الشرقية من سوريا المتصلة بالأراضي العراقية. وهناك أيضاً مجموعات الأكراد التي طالما طالبت بحقوقها الأساسية في ظل حكم البعث في سوريا وفي العراق ولم تنلها... في هذه الظروف يكاد يصبح استقلالها واقعاً ملموساً.

رغم إنفاق الولايات المتحدة أكثر من تريليون دولار لتحقيق التوازن في العراق إلا أنه ما زال في حالة غير مستقرة والشحناء الطائفية فيه متقدة حيث الحكومة الجديدة بأغلبيتها الشيعية تكافح لإرضاء الأقلية السنية والتعامل مع الحكومة المحلية الكردية في شمال البلاد ومواجهة المجموعات السنية المتطرفة. يرفض السياسيون والنشطاء في العراق وسوريا ولبنان محاولات إعادة رسم خريطة المنطقة لكن اختفاء الحدود وظهور مناطق سيطرة جديدة بناء على الهوية العرقية والطائفية تشكل تحدياً وجودياً يكبر باطراد.

 
  • جينيف عبدو

التعليقات

هو صراع الكاسب فيه خاسر كما كل الصراعات الدينية ....مشكلتنا الكبرى اننا اناس تهمل قراءة التاريخ واستخلاص عبره . لو راجعنا الحروب الدينية في القرون الوسطى في اوربا لما حاول الاغبياء من رجال الدين الاسلامي من كافة الطوائف ازكاء نار الحرب الدينية لانها تبدأ ولا احد يعرف متى تنتهي ....تماما كما فعل اغبياء القومية العربية عندما حولوا البلاد العربية الى معتقلات تحت عنواين زائفة مكررين حماقة الحروب القومية في اوربا......والتي بدورها ادركت ان لاطائل من خلق الصراعات وان القيمة للانسان والانسان وحده والولاء للكفاءة بغض النظر عن الانتماء او العقيدة .........سنحتاج الى كم هائل من الضحايا لنعيد اكتشاف ما اكتشفه الاخرون .

الصفحات

علِّق