نشرت في .July 24, 2016

 

* دياب سرية

دياب سرية2.jpg

 

أثارت حملة الاعتقالات الضخمة التي تقوم بها الحكومة التركية على خلفية الانقلاب الفاشل زوبعة كبيرة من ردود الفعل والشجب عند بعض المثقفين العرب والغربيين، كما أنها دفعت بحكومات دول عظمى للقول بأنها قلقة من إساءة استخدام الديمقراطية في تركيا وتحول “أردوغان” إلى طاغية،  ينتقم من خصومه السياسيين ويحول البلاد إلى حكم الحزب الواحد.

الحملة على “الكيان الموازي” -كما تسميه الحكومة التركية- بعد ساعات من فشل الانقلاب هي الأكبر في تاريخ الدولة بحسب مراقبين.

 

كثرة أعداد المعتقلين وتنوع مناصبهم وتوزعهم في مختلف أجهزة الدولة كان سبباً للقول بأن هذه الحملة انتقامية، هدفها تصفيه الرموز المعارضة، وتكريس السلطة بيد حزب العدالة والتنمية بشكل عام والرئيس التركي “أردوغان” بشكل خاص.

لكن لو نظرنا إلى الأمور بعيداً عن التصريحات الرسمية أو المواقف العاطفية، نجد أن هناك أسئلة ملحة تحتاج إلى تبيان:

- هل هناك “كيان موازي” بالفعل؟

- هل هناك دولة عميقة داخل الدولة التركية؟

خلال سنوات إقامتي التي تدخل عامها الخامس في تركيا أستطيع أن أقول بأن “الكيان الموازي” الذي تشمل الاعتقالات الحالية معظم افراده هو بالفعل دولة داخل الدولة التركية، هذه الجماعة التي تعمل بمبدئ التقية كانت استفادت من وجودها داخل كوادر العدالة والتنمية في السباق وانتشرت في أجهزة الدولة القضائية والعسكرية والأمنية والتعليمية حتى الصحية والخدمية.

بداية حركة “غولان” تعود إلى العام 1970 حيث نشطت الحركة عبر تأسيس المدارس وداخليات الطلبة، ومن ثم توسعت بداية الثمانينات لتقدم الخدمات لكافة قطاعات المجتمع.

الخلاف بين جماعة “غولان” أو “الكيان الموازي” وحزب العدالة والتنمية بدأ منذ العام 2009، سببه “اختلافات فكرية وسياسية بالدرجة الأولى والابتعاد عن الديمقراطية وتقليص الحريات العامة” بحسب “غولان” الذي يقول أيضاً “بأن العدالة والتنمية ابتعد عن جوهره الحقيقي بعد وصوله إلى السلطة وأصبح حزب طائفي يخدم فئة معينة داخل المجتمع على حساب الفئات الأخرى”.

وصل الصراع إلى ذروته في العام 2013 عندما بدأ القضاء التركي تحقيقات مع وزراء في الحكومة التركية وأبنائهم حول نشاطات مالية مشبوهة وتهرب ضربي، حتى “أردوغان” نفسه خضع للتحقيق عندما كان رئيساً للوزراء، واتهم هو ونجله باختلاسات مالية واستغلال نفوذ في سبيل الأثراء غير المشروع. يومها اعتبرت السلطة أن الموضوع مدبر وملفق، وقالت بأنها عملية انقلاب ضمن إطار القانون والقضاء، متهمة جماعة الداعية الديني “فتح الله غولان” بتزوير الحقائق والتلاعب بالجهاز القضائي في الدولة.

 

موضوع “الكيان الموازي” والدولة العميقة قديم قدم الجمهورية التركية. الكل هنا يقول بأن تركيا تدار بدولة أخرى داخل الدولة الحقيقية، و الاعتقاد التركي عند العامة وعند النخب المثقفة بوجود الدولة العميقة يعد شبه مطلق، الدولة العميقة بحسب القائلين بوجودها هي تركيبة جهنمية من الحقائق المجردة ونظرية المؤامرة وهي تجمع تحالفات مالية وسياسية وعسكرية في الوقت نفسه حتى أن البعض يقول بأن الدولة العميقة تضم في صفوفها فنانين وأساتذة جامعات ورياضيين. القادة السياسيين في المعارضة يؤمنون بوجود دولة عميقة أو "كيان موازي" يعمل في الظل، الإسلاميين يرون أن الدولة العميقة تعمل ضد الدين لتنشر الديمقراطية والعلمانية والعلمانيون يرون العكس.

حتى أن الإسلاميون ينسبون موضوع الدولة العميقة إلى "أتاتورك"، ويقولون بأنه هو من أسس لهذه الدولة، وبواسطتها قضى على الخلافة والدولة العثمانية وقطع ماضي تركيا مع حاضرها ومستقبلها.

في السابق، كانت احزاب مثل حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية تتهم “فتح الله غولان” بأنه مهندس وصول العدالة والتنمية إلى الحكم، وكانت تعتقد بأن هذا الحزب سوف يغير الوجه العلماني للبلاد.

المهم في الموضوع اليوم هناك مزاج شعبي وسياسي ليس بالقليل، يؤيد بشكل أو بأخر هذه الحملة، ويبدو أن “أردوغان” عازم على استئصال “الكيان الموازي” بشكل نهائي، ولهذا لم نجد أحداً من المعارضة يقول بأن هذه التوقيفات انتقامية. لقد أبدى البعض تخوفاً من تحولها إلى انتقام، فيما خشي آخرون من ارتباك العمل في أجهزة الدولة، لكنهم لم يعارضوها أو يقولوا بأنها انتقامية.

المعارضة ليست بالمعارضة السهلة أو مكسورة الجناح، خصوصاً حزب الشعب الجمهوري العدو اللدود للعدالة والتنمية ولشخصية “أردوغان” تحديداً.

 

حملة التوقيفات الحالية مبيت لها وقوائم الاسماء موجودة سلفاً، القائمون على حملة الاعتقال الشرطة ووكالة المخابرات الوطنية (MIT) يقولون بأنهم راقبوا هؤلاء الاشخاص لسنوات، وهم يملكون أدلة على تورطهم في “الكيان الموازي”، موضوع الاعتقال مبيت منذ العام ٢٠١٣، هناك ملفات لبعض الأشخاص موجودة منذ العام ٢٠٠٨، لا ندري مدى صدق هذا الكلام،  لكن الحقيقة هي أن هذه الاجراءات والاعتقالات هي عملية إعادة هيكلة للجيش وللقضاء وبعض اجهزة الدولة. هل سوف يكون لها أثر سلبي؟ اعتقد نعم.

على المدى الطويل سوف تضغط هذه المشكلة على أي حكومة قادمة، وعلى المجتمع نفسه، وسوف تخلق طبقة مهمشة سياسياً واقتصادياً رميت في السجون لأسباب قسم منها سياسي على أقل تقدير.

التعليقات

بأنه مهندس وصول العدالة والتنمية إلى الحكم، وكانت تعتقد بأن هذا الحزب سوف يغير الوجه العلماني للبلاد.

علِّق