نشرت في .April 18, 2016

 

* حافظ قرقوط

حافظ قرقوط2.jpg

"سوريا لينا وما هي لبيت الأسد" بهذه العبارة أطلقت حناجر أبناء السويداء وبناتها هتافاتها باحتفالها باستقلال سوريا في 17 نيسان في بلدة المزرعة التي حملت تلك المعركة الشهيرة مع الاحتلال الفرنسي اسمها، حيث نصب الثورة السورية الكبرى، اجتمع أبناء السويداء ليحيوا هذه الذكرى، وقبل ذلك كانت مظاهرة قام بها نشطاء الثورة بوضع صورة كبيرة للقائد سلطان الأطرش في ساحة السويداء الرئيسية، وخطوا عليها إسم "ساحة الكرامة" حيث مكان تمثال ضخم كان لحافظ الأسد وتم تحطيمه سابقا بعد اغتيال الشيخ وحيد البلعوس في مطلع أيلول من العام الماضي إثر حملة أطلق عليها حينها "خنقتونا".

 

 

الآن ومنذ الشهر الماضي أطلق ناشطون في السويداء حملة جديدة للمطالبة بعودة من تم فصلهم من عملهم، وبالأخص المدرسين لرفضهم الذهاب للخدمة العسكرية أو الالتحاق بالاحتياط، تابعت مظاهراتها بشهر نيسان تحت اسم حملة "حطمتونا" لتهتف للوطن ووحدته، ثم تكتمل يوم الاستقلال بتظاهرتين واحدة داخل المدينة والأخرى ببلدة المزرعة.

في الحقيقة كانت هناك محاولات عديدة من النظام لإبعاد السويداء عن خطها الثوري الذي انطلقت به كسائر المحافظات والمدن السورية في ربيع عام 2011. واستعان بأدوات عديدة جداً، لكن أكثر ما أثر على الحراك الثوري بالسويداء، هو تلك الهتافات الطائفية والتي هي من صنع النظام نفسه في عصب المعارضة، وهي التي جعلت الإشاعات التي تقول إن السنة سيقتلعون كل الطوائف من سوريا وما إلى ذلك، لتصبح أهم المواد التي تروجها ماكينة إعلام النظام مستندة على ما يقدمه من ادعوا انتماءهم للثورة بتلك التعليقات والتصريحات المقلقة حقيقة لكل السوريين الوطنيين وليس لطائفة بعينها.

لكن السويداء التي ميزها مسيرها الهادئ بالثورة، كان أهم ما ساعدت نفسها والسوريين به هو عدم ذهاب أبنائها للخدمة العسكرية، واستفادت من حذر النظام برفع سقف الصدام معها ليبقى على ادعائه أنه حامي الأقليات أمام الرأي العام العالمي، لم تنتبه المعارضة برمتها سياسياً وعسكرياً لهذا الأمر عدا عن بضعة تصريحات لبعض العقلاء لم تؤثر كثيرا بالمشهد العام، وهذا الكلام يمكن أن يرى بوضوح في هيكلية الائتلاف والحكومة المؤقتة، هنا في تركيا على سبيل المثال والتي يمكن اعتبار مدينة كغازي عنتاب عاصمة للمنظمات والهيئات المحسوبة على الثورة، لا يمكن أن نجد مرجعية واحدة تعنى بشؤون أبناء تلك المحافظة إن كانوا قد لجأو هربا من بطش الأسد وقوى أمنه أو حتى من هم في الداخل، كما لا يوجد منبر إعلامي أو باب يمكن الاتكال عليه لتوصيل صوت المحافظة وتطوير حراكها الثوري.

بقي أحرار السويداء يبتكرون الأدوات التي يعبرون بها عن أنفسهم وعن محافظتهم وسوريتهم، ولم يفلح النظام على الأقل بكتم صوتهم، ولا بإشعال فتنة مع جيرانهم أو مع أبناء السويداء من عشائر البدو ولا حتى بإيجاد صراع درزي درزي بين العائلات بعد اغتيال الشيخ البلعوس واللعب بالتحقيق والتفجير، كان الناس أكثر إدراكا لخبث النظام وأدواته وأيضا أخذوا أسلوبا آخر يتماشى مع الظرف المستجد، أهم ما يميز ذلك الظرف هو الموضوع الاقتصادي لمحافظة فقيرة بلا موارد من أي نوع وخلفها صحراء مقفرة، فهددها النظام أيضا بداعش والنصرة،وكانت مجزرة جبهة النصرة التي افتعلها ذلك التونسي في إدلب ضد قرية درزية برغم مشاركة دروز إدلب بالثورة، رسالة قاسية لأبناء السويداء استغلها النظام مع الرايات السوداء بطريقة كبيرة ودعائية، وخسرت المعارضة وخاصة بتأييد فيسبوكي رخيص لتلك المجزرة وللجبهة من بعض المحسوبين على الثورة، تكامل ذلك مع ذلك الاستهتار من كافة منظمات الثورة المدنية وغيرها بأصواتنا نحن كعاملين بالإعلام والسياسة والشأن العام وحصارنا بقوت يومنا أيضاً طيلة سنوات الثورة، بذلك بقي صوت الكثيرين من أبناء المحافظة محاصرا كما كان قبل الثورة لكن بأدوات الثورة وليس النظام.

إن ثمن كل ذلك كان دما سوريا طاهرا نقياً، لكن للأسف الثورة لم تتصدرها أصوات نبيلة بما فيه الكفاية لتعرف كيف ترسل السفراء والمتحدثين باسمها ولا كيف تخفف من نزف الدم بخطاب عقلاني، هذا ما تشتكي منه محافظة لطالما عاشت سنواتها معارضة لهذا النظام قبل الثورة، لتصل بالثورة إلى حالة من الحياد العام إن أخذنا المشهد برؤية غير تفصيلية، لكن إن تمعنا قليلا بالمشهد، سنجد أن طريق الثورة مازال مستمراً والسويداء باحتفالها الأخير بيوم  الاستقلال، تعبر عن ثورة سورية ولادة ومستمرة ولا مكان فيها لطائفي بغيض أو لمهزوم مشكك بانتصار الحق.

السويداء ترسل اليوم رسالتها بوضوح، الشعب السوري واحد والدم السوري واحد، والثورة ماضية إلى هدفها بكرامة الوطن والمواطن، وأظن أن النظام سيفشل مجددا في احتوائها بل قد تفاجئه من جديد كما فاجأته يوم انتخاباته الهزيلة لمجلس الشعب قبل أيام بتلك المظاهرة المميزة التي جابت المدينة بهتافها السوري واستهزائها بانتخاباته وبإعلامه.

واضح أن النظام الآن في حيرة من أمره بطرق التعاطي مع تلك المحافظة وذلك الحراك المدني، وبالمقابل يخشى المواطنون من دورة دم جديدة عبر تفجيرات متنقلة كأسلوب يتبعه هذا النظام معها عوضا عن البراميل والطائرات التي يتعامل بها مع بقية مدن الوطن وبتجنبها بالسويداء كي لا تفضح ادعاءاته الكاذبة عن حماية الأقليات.

 

علِّق